لم يحمل ألقاباً، ولم يتدرج في المستوى السياسي، ولم يخالط المشاهير، ولكن ما يحّيرني به هو هذا الاحتضان الكبير له من قبل عامة الشعب، ورجال الصحافة والإعلام، ورجال الأعمال والسياسة، لماذا هذا التوحد في رثائه، وهذا الإنتشار في تبنّي حالته وصورته، رغم أنه بائع جرائد، عرفه الجميع بهذه المهنة، ولم يكن لأحد عليه دين، أو واجب، كي يرثيه، أو يجامله، أو يكتب عنه حرفاً، ولكن الغريب أن العديد من الكتّاب والصحافيين بادروا للكتابة عنه، وأنا واحد منهم، ما الذي دفعنا لذلك، لا أعتقد بالمطلق أنه رياء أو نفاق، فالرجل صار في دار الآخرة، ولكنه الإيمان بالنقاء، والعفوية، والإنحياز لنماذج ساطعة في كفاحها وبساطتها، وسعيها نحو العيش الكريم، إنه نموذج لكل الذين بنوا أنفسهم من اللاشيئ، واحترم ذاته، وآمن بأن العمل الشريف النظيف لا عيب فيه، وبأن الفقر ليس عيباً، بل العيب أن لا تعمل بشرف وجد واجتهاد، والفقر لا يعني أن لا يكون لديك أسرة شريفة محترمة، أو عدم الحصول على الشهادات العليا يعني أنك جاهل، بل أثبت أبو خليل السنونو في رحلة حياته القاسية والشاقة منذ رحيله الإجباري عن بلده الأصلي بأنه رجل أنشأ أسرة متواضعة، ولكنها محترمة بشهادة الجميع، أبناؤه كانوا عوناً له في مسيرة حياته العملية، ولم يتوانوا لحظة عن تلبية نداء الواجب الوطني، فكان منهم الأسير، وكان منهم الشهيد، وكانوا جميعاً من رواد العمل التطوعي والإجتماعي، يعملون بصمت، ولا ينتظرون مقابلاً لعملهم، مبدأهم: الوفاء للوطن، وهاجسهم: خدمة أبنائه.