ما يهمنا هنا طبيعة السياسة الخارجية التي تبنتها تركيا في ظل حكومة (عدنان مندريس)، مع الدول الإقليمية، والمجاورة، ومنها العراق، ففي ظل تلك الحكومة خرجت تركيا من عزلتها الدولية، والإقليمية، واتجهت نحو إقامة تحالفات انطلاقاً من شعور قادتها المستمر بالخطر الذي يهدد سيادة، وأمن ووحدة الأراضي التركية، ومن هذه التحالفات هو حلف بغداد عام ١٩٥٥، الذي كان العراق أحد مؤسسيه، وعضواً فاعلاً فيه أيضاً، الذي انعكس إيجاباً على علاقات البلدين إذ مهد في حل المشاكل العالقة بينهما.
استغلت أحزاب المعارضة التركية، وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الفشل المتوالي للبرامج الحكومية في معالجة الواقع الاقتصادي ، في الدعوة إلى اجراء انتخابات جديدة ، وقد ظهر اثر ذلك في انتخابات ايار عام ١٩٥٠، إذ تمكن الحزب الديمقراطي بزعامة جلال بايار من الفوز بانتخابات ١٤ أيار عام ١٩٥٠، والتي أدت إلى وصول الحزب إلى سدة الحكم وبموجبها اصبح جلال بايار رئيساً للجمهورية، وعدنان مندريس رئيساً للوزراء، ورفيق كورلتان رئيساً للمجلس الوطني الكبير، وتعهدت الحكومة باتباع برنامج سياسي، واقتصادي أكثر ليبرالية.
لم يكن فوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات، وتسلمه الحكم انعطافه سياسية تقدمية في تاريخ تركيا المعاصر، وإنما كان مظهراً من مظاهر الرغبة في التجديد ولدته دكتاتورية الحزب الواحد التي استمرت أكثر من ربع قرن، حسب قول أحد تقارير المفوضية العراقية في أنقرة.
على أية حال، وجه الحزب الديمقراطي السياسة الداخلية في تركيا طيلة مرحلة الخمسينات، أما السياسة الخارجية فقد كان مميزاً فيها بالرغم من خضوعه للدستور التركي لعام ١٩٢٤، الذي يؤكد فيه قومية السياسة الخارجية، إذ اتسمت فترة تولي الحزب الديمقراطي من الناحية الخارجية بالارتباط مع الغرب بسلسلة من الأحلاف منها الانضمام إلى حلف شمال الاطلسي عام ١٩٥٢، والانضمام إلى حلف البلقان عام ١٩٥٣، وأخيراً الانضمام إلى حلف بغداد عام ١٩٥٥، فضلاً عن الاشتراك مع الولايات المتحدة الامريكية (١٥) دولة حليفة في الحرب الكورية عام ١٩٥٠، وعقد معاهدات ثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتزامن هذا التوجه مع توجهات إيران نحو الاحلاف أيضاً مما جعل تقاربهما طبيعياً، وقد اكتسبت العلاقات التركية الإيرانية للفترة من عام (١٩٥٠-١٩٥٣)، أهمية تاريخية استثنائية كونها زاخرة بالتطورات الداخلية التي تركت أثراً واضحاً على السياسة الخارجية للبلدين. ركز الحزب الديمقراطي بعد وصوله إلى الحكم في تركيا بمحاولة إعادة جسور العلاقات مع العالم الإسلامي الذي يضم الأقطار العربية بالإضافة إلى إيران وافغانستان، وهو المحيط التي كانت تركزت فيه نشاطات وفعاليات الدولة العثمانية فيما سبق.
أعلن جلال بايار خلال افتتاحه المجلس الوطني الكبير في الأول من كانون الأول عام ١٩٥٠، عن برنامج حكومته بما يخص السياسة الخارجية قائلاً "أن علاقتنا مع الجارة "إيران تتميز بالصداقة وأن اقتصادنا مع الإيرانيين يزداد متانةً لتشابه السياسة الاقتصادية لبلدينا وأننا نسعى إلى أن تتقوى علاقاتنا في المجالات كافة، ولا تقتصر على مجال واحد فقط".
وعبرت صحيفة (ظفر) الناطقة باسم الحزب الديمقراطي في الرابع من نيسان عام ١٩٥١، عن رغبة الحزب في تعزيز العلاقات التركية الإيرانية لأن من شان ذلك (كما ترى الصحيفة المذكورة )، أن يحقق تضامنا بين دول الشرق الأوسط الذي يمكن أن يقف بوجه المد الشيوعي ويتصدى له واستطردت قائلة "أن أي توثيق لعلاقات تركيا مع دول الشرق الأوسط سيجلب الفوائد السياسية والاقتصادية وغيرها لدول هذه المنطقة التي تواجه تحديات مشتركة".
وفي العاشر من نيسان عام ١٩٥١، دعا (مجاهد طوبلاك) محرر صحيفة (ظفر) في مقال له إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط، لأن تركيا تعد ذلك شاناً خاصاً بها.
إلا أن بعض المحليين السياسيين يرون أن تركيا محكومة في واقع الأمر من قبل الجيش ولا تستطيع في ضوء تلك المعادلة الأحزاب السياسية التركية التمتع بديمقراطية حقيقية حتى وإن حصلت على أغلبية الأصوات في الانتخابات.
أما موقف الدول العربية، فقد استأثرت أحداث تركيا باهتمام الحكومات العربية، والرأي العام العربي، فأعلنت الحكومة العراقية أنها تعد الحركة العسكرية في تركيا حدثاً داخلياً يهم الأتراك أنفسهم وتستنكر أي تدخل أو ضغط خارجي يوجه إلى تركيا، وقد عقد السفير التركي في بغداد مؤتمراً صحفياً أوضح فيه أسباب الانقلاب ودوافعه، أما الحكومات العربية الأخرى، فقد التزمت الحذر ازاء الأحداث وعدته شأناً داخلياً.