تمر السلطة الوطنية الفلسطينية منذ أكثر من خمسة أعوام بأزمة مالية خانقة نتيجة للأزمة المالية العالمية وقلة الدعم الخارجي من الدول المانحة , واشتدت الأزمة المالية في شهر أيلول من عام 2011 وذلك بعد إعلان السلطة الوطنية نيتها بالتوجه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بعضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة , فسارعت إسرائيل إلى حجز عوائد الجمارك و الضرائب الشهرية التي تجبيها لصالح السلطة والتي تقدر بما يزيد عن 130 مليون دولار , مما أدي لحدوث أزمة مالية خانقة أثرت على كافة المناحي الاقتصادية و أحدثت إرباك كبير في صرف الرواتب الخاصة بموظفي السلطة في الضفة الغربية و قطاع غزة , وفي نوفمبر من عام 2012 وبعد إعلان السلطة عن نيتها بالتوجه مرة أخرى إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بعضوية دولة فلسطين للأمم المتحدة "بصفة دولة مراقب" , بدأت التهديدات الإسرائيلية تطلق من جديد تارة بحل السلطة وتارة بوقف تحويل عوائد الضرائب و الجمارك الشهرية , وتارة بوقف التعاون الاقتصادي , وفي حينه و بتاريخ 11/11/2012 كتبت مقالة بعنوان الأزمة المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية إلى متى؟ , واليوم وبعد مرور عامان ونصف على هذه المقالة يتكرر المشهد مرة أخرى و يزداد الواقع المالى للسلطة الوطنية الفلسطينية سوأ , حيث أننا لم نفعل أي شى لتلافى تلك الازمات المتكررة.
وتعاني السلطة الوطنية من ديون متراكمة بلغ حجمها بحوالي 4.8 مليار دولار أمريكي موزعه كالتالى 1.2 مليار دولار للبنوك , 1.6 مليار دولار مستحقات لصندوق التقاعد , 500 مليون دولار للقطاع الخاص, هذا بالإضافة للديون الخارجية والتى تتجاوز المليار دولار.
وعلى صعيد الموازنة فقد بلغ حجم موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية لعام 2014 بحوالى 4.216 مليار دولار وبلغت نسبة العجز الكلى في الموازنة 1.629 مليار دولار, و مما يؤخذ على الموازنة الفلسطينية بأنة تم تخصيص مبلغ وقدرة 1.078 مليار دولار من الموازنة العامة للأجهزة الأمنية وهو ما يمثل 28% من الموازنة الإجمالية , في حين أنة تم رصد مبلغ وقدرة 350 مليون دولار للنفقات التطويرية وهي تمثل 8.3% من إجمالى الموازنة.
وبمقارنة موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية بين عامي 2014 و 2007 نجد ارتفاع بحوالى 54% بالموازنة العامة , حيث بلغت موازنة عام 2007 بحوالي 2.3 مليار دولار , و يأتي هذا الارتفاع الكبير في الموازنة خلال سنوات الانقسام السابقة من عام 2007 إلى 2014 , بالرغم من توقف المشاريع التطويرية الحكومية في قطاع غزة وعدم تحميل النفقات التشغيلية للمؤسسات الحكومية ضمن الموازنة العامة.
وتمثل فاتورة الرواتب و الاجور 47% من موازنة عام 2014 حيث بلغت مبلغ وقدرة 2.018 مليار دولار وبمقارنة مخصص الرواتب و الاجور بين عامي 2014 و 2007 نجد ارتفاع فاتورة الرواتب خلال سبع سنوات بنسبة 33% حيث بلغت فاتورة الرواتب والأجور في عام 2007 بحوالى 1.370 مليار دولار , ويأتي هذا الارتفاع بالرغم من توقف التوظيف و التعيينات الجديدة من قطاع غزة وتوقف العلاوات و الترقيات و الدرجات لموظفي قطاع غزة خلال تلك الفترة.
ومن الملاحظ أن إسرائيل وخلال السنوات السابقة تستخدم أموال الضرائب والجمارك التى تجبيها لصالح السلطة الوطنية الفلسطينية ألعوبة لخدمة مصالحها و أجندتها السياسية فأحيانا تسارع إلى حجز الأموال وأحيانا تسارع إلى تحويل الأموال , ومن المتوقع أن تواجه السلطة أزمة مالية خانقة خلال الأشهر القادمة ستؤثر على كافة مناحي الحياة الاقتصادية و الاجتماعية.
وفي اعتقادي بأنة أن الأوان لاتخاذ إجراءات فاعلة لترشيد النفقات الجارية و التشغيلية للسلطة الوطنية الفلسطينية خاصة في بند الرواتب والأجور , كما يجب زيادة النفقات التطويرية في الموازنات القادمة.
والسؤال المطروح الآن هل ستشهد موازنة عام 2015 والتى لم تنشر حتى هذا اللحظة بعض التغيرات الجذرية و الجوهرية بما يتناسب مع الواقع المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية؟ .