سلفيت- أماني شحادة
على مشارف مدينة سلفيت شمال الضفة الغربية، يقطن مجموعة من البدو الرحل، بدون أدنى متطلبات الحياة، يكتون بلهيب الشمس بالصيف وبرد الشتاء القارص، يعتاشون على خيرات الأرض التي لا تبخل عليهم وعلى مواشيهم، فيما ملاحقات الإحتلال الغمة هاجسمهم القديم والجديد.
ما أن تصل اليهم حتى يبرز مشهد مجموعة من الأطفال يفتقرون لأبسط حقوقهم، يعشيون في خيام من الشوادر البلاستيكية تقيهم من فصل الشتاء، في هذه الأيام وبين خيامهم تتواجد الأغنام والطيور، ورغم ذلك إلا أنهم يعيشون بسعادة لا ينتظرون الفرج إلا من الله، فهم موقنين بأن الرزق على الله وحده .
قبيلة العزازمة أو عرب أبو نايف، الذي يصل عددهم إلى 60 نسمة ،رحلوا عن بيوتهم من بئر السبع عام 1948 في باكورة النكبة الفلسطينية، ليجدو أنفسهم رحلا يبحثون عن الماء والأرض الوفرة، ليستطيعوا أن يسيروا على درب الحياة، فكانت سكنتهم الأولى في الخليل، ولكن شاءت الظروف، أن يتم ترحيلهم مرة أخرى، بسبب قلة الكلأ، إلى أن وصلوا غرب سلفيت قطنوا هناك لأكثر من 20 سنة، ولم تبخل عليهم طبيعتها بشيء، إلا أن من رحلوهم في المرة الأولى اصروا على أن يرحلوهم مرة اخرى بطريقة لا تقل وحشية عن المرة الأولى ، ألى أن وصلو اليوم إلى مشارف مدينة سلفيت .
خوفا لا يتوقف
لم يكتف جيش الإحتلال الإسرائيلي من ترحيلهم من بئر السبع، ولكن لاحقهم إلى قرى غرب سلفيت ، فسلمت قوات الاحتلال عرب أبو نايف 3 اخطارات بالإخلاء.
ويقول أبو نايف التسعيني بالعمر: " في كل مرة تهبط الهيلوكبتر بين الخيم نعلم أنه قد نستلم إخطارا، فارتبطت صوت الهيلوكوبتر بترحلينا، الا أن عينت السلطة الوطنية الفلسطينية محاميا لنا، وعينت وكالة الغوث أيضا محاميا آخر للدفاع عنا ".
ومع تنهيدة مشبعة بالألم عبرت الحاجة سليمة البالغة من العمر 85 عاما عن ألمها عند رحيلهم فتقول" ناشدناهم لو يتركوا خيمة وحدة بس ليجسلو فيها الأطفال والنساء، إلا أن مجندات جيش الإحتلال قلن الأرض ليست لكم فلا مكان هنا لكم".
وتضيف أم نايف"عند ترحيلنا لم يسلم منهم شيء، فنثروا الطحين والسكر والزيت بالأرض حتى أنهم حاولوا أن ينثروا حبات الشعير التي شقينا بزرعها أياما وليالي ، الا أنني جلست على الأكياس ومنعتهم من أن يمسوها بأذى .
ولم تقف خسائرهم على الطحين والسكر والزيت والخيم المقتلعة، بلا إمتدت لتشمل المواشي والطيور، فخسائر عائلة أبو نايف وحدها قرابة أل 120 رأسا من الغنم والعديد من الحمام التي ماتت خلال الترحال .
أطباء أنفسهم
يقول شيخ القبيلة أبو نايف "الوضع الصحي لدينا جيد رغم تدني مستوى النظافة ،الا اننا قليلوا المرض، فهناك عيادة متنقلة كل شهر لفحصنا وأعطائنا الدواء اللازم، ولكن إذا هناك حاجة لإجراء فحوصات يتم تحويلنا إلى مخيم بلاطة ليتم علاجنا على حساب وكالة الغوث ،ولكن لصعوبات الوصول الى بلاطة يتم علاجنا بمستشفى سلفيت على حسابهم الخاص، ومن جديد طرحت وكالة الغوث برنامج للعناية بالصحة النفسية والإرشاد لتجمعات البدوية في المناطق وشمل 3 تجمعات تجمع العزازمة تجمع عرب أبو نايف وتجمع عرب أبو عطية في وادي المطوي وتجمع عرب أبو ياسر بمنطقة فرخة .
شتاء التعب
وفي الشتاء يتم تعديل الخيم ودمجها بشادر لمنع تساقط الأمطار إلى داخل الخيمة، ويتم حفر قناة بجانبها لمنع تسرب الماء داخل الخيمة ولا تعد هذه الطريقة مجدية دائما ففي عام ال2014 كان الشتاء أٌقوى من توقعاتهم، فماتت لهم نعاج ومواشي بلغ عددها 60 ماشية، ودخلت المياه إلى قلب الخيام، وأعطبت الفراش، وبعثرت الخيم في اوقات اخرى افسدت الطحين والحبوب، فلم يكن هناك ما يوفر لهم الدفىء، ويرحمهم من برد الشتاء سوا النار ورب النار.
ويقول ابو خالد إن أصحاب الأرض وافقوا على إقامتهنا بهذه الأرضن ولكن حدثت مشاكل حول تمديد مياه قطرية للبدو، الا أن أصحاب الأرض أنهم سيخسرون الأرض بشكل دائم اذا تم تمديد مياه قطرية.
حياة وقتية
وتتابع أم نايف "حتى الزائد من الطهي تأكله الكلاب حتى لو كان لحما، ما في مجال للإحتفاظ بما يتبقى والباقي من اللحم والطعام نطعمه للكلاب وتتابع "حياتنا وقتية، لا ثلاجة ولا غاز يحفظ الطعام، والجزء الذي لا يطهى يملح ويحفظ بالملح .ونشتري تنك المياه ب60 شيكل لكافة اغراضنا النا ولمواشينا ".
مصدر دخلهم
تعتبر تربية المواشي والزراعة هي مصدر رزقهم الوحيد وان غاب هذا المصدر يعني أنهم بلا مصدر غذاء، ومن يعمل بغير الزراعة وتربية المواشي مرفوض تماما بعرفهم فالرجل عليه العمل بتربية المواشي والزراعة، وان خالفها فهو مخالف لعرفهم والنساء يعملن على راعية أمور المواشي وتحضير البان والأجبان ورعاية الأطفال ورعاية أمور المنزل ومن المخجل مساعدة الرجل المرأة بالمنزل .
حقوق مهضومة
وفي زمن يعد التعليم من أهم حقوق الطفل يحرم أطفال عرب أبو نايف من هذا الحق رغم محاولات عديدة لفتح مدرسة هناك الا ان صعوبات المواصلات وقلة الاموال تقف عائقا امام تحققيه ففي البداية قامت اليونسيف بانشاء خيمة معدة لتعلم وفرز موظف من سلفيت للتدريس، ولكن بعد اشهر انقطعت الرواتب وانقطع معها التعليم ، وعادت وكالة الغوث بمشروع نقل الطلاب إلى قاعة تم تجهيزهم لهم بسلفيت لتدريسهم ولكن وجهت صعوبات المواصلات حيث تكفلت بهم لمدة شهر، وبعد فترة وجيزة تم تدريس الاطفال بمدارس سلفيت لفترة قصيرة.
يستوقفك الطفل فالح محمد الذي يرعى الماشية و لم يتجاوز من عمره 7 السنوات يقضي يومه مع الماشية ومحروم من ابسط حقوقه باللعب وتعلم وتوفير المسكن والمشرب الصحيان،
مساعدات متقطعة
تلعب وكالة الغوث الدولية (الانروا ) دورا مهما في رعاية وحماية البدو في تجمعهم الثلاث ، ويقول ابو نايف "الانروا" تقدم العناية الصحية وتقدم بعض الغذاء الطحين وسكر ورز وعدس كل 3 شهور مرة، وهناك عيادة متنقلة تزورهم كل شهر للعناية بهم " وهناك مؤسسة اصالة التي قدمت مدافئ على الحطب لهم، وناشد أبو نايف جميع الجمعيات بنظر الى حالهم والمساعدة.
حياة البدو
ويقول شيخ القيبلة علي العزازمة ان تكون شيخ قبيلة ليس من الامر السهل فهذا يستدعي ان تقدم أوراق وتنتظر لفترة ليتم التاكد من كافة الشروط متوفرة بك، وهناك وثائق من الايام التركي يوثق المختارة، وهناك ختم ولكل مختار له سند، ويقدم المختار استدعاء ليصبح مختار .
وتقول ام نايف ان عادات البدو تغيرت مع مرور الوقت فقل التواصل الاجتماعي فيما بينهم، ولكن هناك اصول بقيت كما هي كالهدية باي مناسبة لاتقل عن ماشية ومن المعيب ان نقدم غير الماشية . ويضيف ابو نايف الشخص المهدى ينتظر حدوث أي مناسبة عند الشخص الهادي ليردها له وتعتبر قرضة.
اما وضحى 50 عاما لديها من الأبناء ثلاثة وتقضي يومها بأعمال المنزل وتربية الاولاد ورعاية الماشية التي يحظر على الرجال ان يمد يد العون بتلك الامور وتقص شعر ابنها .
واكدت وضحى على تراجع العلاقات الاجتماعية بين البدو بالرغم من صلة القرابة بينهم، مؤكدة على ان جميع بنات البدو يقضوا يومهم بالعمل المستمر .
وشكت وضحى من عدم توفر تأمين صحي لها ولعائلتها ومن صعوبة العيش وقلة توفر المال، فالمتطلبات أكثر بكثير من المتوفر، وأكدت على صعوبة الحياة فجميع الفئات العمرية للبدو يعملون بإستمرار من أجل لقمة العيش.
ووصفت حالة الذعر التي إنتابتها قبل 15 سنة عندما هبطت الهليكوبتر لتسلمهم أول أخطار فتقول "هددونا بان يرمونا بعيدا بكل حاجاتنا، وطلبوا مراجعة ارتباط سلفيت، واستلم الصليب الأحمر القضية ومن بعدها لم يعودوا ".
أما محمد سليمان فيقول "عند تسلمينا الإخطار يمهلون لمدة يومين فقط، وتم تسليمهم للمحامي ،ويطلبون ان نسكن بحدود بلدة سلفيت بين البيوت واهالي سلفيت لا يسمحون لنا بذلك، بسبب مواشينا ".
ويشكي أبو خالد من مرارة العيش فلديها من الأبناء سبعة، أكبرهم يبلغ من العمر 22 عاما وأصغرهم 4 سنوات فجميعهم يعملون بتربية المواشي والزراعة، حيث تبلغ ديونه عشرة الأف شيكل، ولم يستطع سدهم وحاليا عند بيع ماشية يقتطع من سعره ويبعثه للمدين، وخسر 80 راسا من الغنم اما الشتاء الماضي، وذلك بسبب الثلوج، أما هذا الشتاء فقد خسر 20 رأسا من الغنم .
وعند مغادرة سفوح الوديان في غرب سلفيت حيث تحتضن خيام البدو، تبقى مخيلتك لا تنسى مشاهد الألم والعذاب الذي تعيشه أسر فلسطينية في هذا الوقت من التاريخ.