نابلس-رنا خموس
تنتهي المياه الهابطة من السفوح الشرقية لجبال القدس والبيرة والتي تعرف باسم "سويننيت"، ترافقها مياه "عين فارة" النابعة من تلال عناتا والرام شمال شرقي القدس، والتي تلتقي بمياه بلدة مخماس شرق جنوب القدس ايضا في وادي القلط مشكلة وديان وأخاديد خلابة، وبين جبال مرتفعة ينزل الوادي، مكونة جدارين شاهقين من طبقات الصخور من اصل تراكمي على أشكال مختلفة تتجمع بينهما المياه الرقراقة.
ليست المياه وحدها التي تشق طريقها بين الصخور محدثة اثرا كبيرا في النفوس، فـ"متجولو اصداء" هم ايضا قادرون على ترك اثر كبير بالنفس مع جولاتهم الصحفية، التي بدأوها مع بداية العام.
هذه المرة كان وادي القلط جنوب مدينة أريحا على خارطة "أصداء"، حيث قطع المتجولون نحو 20 كيلو متر مربع مشيا على الاقدام، وتحت اشعة الشمس الدافئة التقوا مع الطبيعة والمواطنين هناك، ليكتبوا باقلامهم سحر بلادهم وهموم مواطنيهم.
والمنطقة تقع ضمن سيطرة الاحتلال الاسرائيلي، واليها يرتحل البدو الفلسطينين مع بداية الربيع من اريحا لرعي مواشيهم.
تلتقي المياه في "عين الفوار" وتجري مشكلة لوحة جميلة، تنحنتها الطبيعة بمشيئة خالقها، وتكمل المياه سيرها مارة بدير مار جرجس ودير القلط المتجاورين، ثم أريحا الى ان ينتهي في نهر الاردن.
ويقدر جريان الوادي حسب ما جاء في موسوعة المدن الفلسطينية بنحو 3ملايين مترا مكعبا من المياه في سنويا.
يأسرك منظر الصخور المنحوتة بفعل المياه، وفي الوادي اقبية ومغر فيها كتابات يونانية، ونفق منقور بالصخر كتب عليه رهبان وادي الكلت، وفي نهاية الوادي دير "مار جريس" ودير "الكلت"، وهو صومعة مدموجة بدير حديث البناء، وارضيات مرصوفة بالفسيفساء، وقطع معمارية مكتوبة بالخط الكوفي، وفي عام 1896م عثرعلى بلاطة رخام مكتوب عليها "أمر بعمارة هذا المكان وصفة الاميال عبد الملك امير المؤمنين رحمه الله. من دمشق الى هذا الميل سبعة أميال ومائة ميل"، والذي بنى دير الكلت هو القديس المصري جورجيوس في اواخر القرن الخامس.
متعة كبيرة تكتسبها خلال تجوالك بوادي القلط، فالجو الساحر وصوت الطبيعة يشكلان ايقونة موسيقية رائعة، تبهرك مشهد الطيور المتنوعة التي تصدح زقزقاتها بالوادي، بينما تتقافز بعض الضفادع الخضراء بين الحشائش والطحالب التي اخذت من مجرى المياه مكانا لها، ولا شك ان الاسماك الصغيرة تضفي على مجرى النهر الضحل رشاقة.
تضطر في كثير من الاحيان للسير داخل مجرى المياه، ربما هذا سبب آخر للانتعاش بالاضافة الى الهواء النقي الذي تكتسبه، ولا بد للاستعانة ببعض عصي القصب التي تنمو على جانبي المجرى مشكلة نفقا معتما يزيدك انبهارا بالوادي.
ست ساعات من المشي داخل مجرى النهر ومن على اطراف جباله متسلقين بارتفاع لا يزيد عن 300 مترا، لا شك ان المشهد من علو لا يضاهي المشهد من الاسفل، تعلو اصوات المتجولين سعادة.
ولا شك ان مراقبة النسور والصقور المحلقة في سماء الوادي الصافية، تعلن وجود فرائس دسمة بين شقوق الصخور، ومن الحيوانات المشاهدة بالوادي البور الصخري والغزلان، وتنتشر في ارضه الزهور البرية ونبات النعنع البري والبابونج والزعتر، ناهيك عن زهور شقائق النعمان، وشجر الدوم وافر الظلال.
يستمر وادي القلط ضمن التضاريس التلية المخددة للسفوح الشرقية لجبال القدس لينتهي في سهل الغور، ومنه في نهر الأردن عند نقطة تقع شمالي مصبه في البحر الميت بمسافة 6.5كم (خط مستقيم) جنوبي موقع المغطس-كما ذكر باحد المراجع التاريخية-
وهكذا يكون قد قطع مسافة قدرها 47 كم بين جبل قرفيص ومصبه. ويجري الوادي الأدنى مسافة 12 كم في أرض غور الأردن السهلية ويخترق مدينة أريحا وبساتينها الواقعة دون مستوى سطح البحر بأكثر من 250-320م. وأما نقطة رفده لنهر الأردن فتقع دون مستوى سطح البحر بمقدار 388م. وتبعد نقطة ارتفاع الصفر عن المصب مسافة 19 كم. وهناك تنبثق مياه عين القلط التي نسب إليها الوادي.
اما وجهتنا الثانية لمتجولي اصداء كانت مقام النبي موسى جنوب اريحا، للقبب الست التي تعلوه منظر جميل ورائع، لا يغادر الحمام المكان الذي يخرج منه رائحة البخور، فتمنح الزائر سكينة وهدوء يحتاجها كل متأمل.
ويبعد المقام عن القدس 32 كيلو متران ويرجع بناؤه الى الظاهر بيبرس سنة 668 هجري (1269م) وهو من الحجر الكبريتي، وتبلغ ابعاده (16*20مترا) على مساحة 122 دونما، ويستمد مياهه من الابار الموجوده فيه، وله ست قبب ومنبر خشبي ومحراب.
لا شك ان من يحب ممارسة رياضة المشي وتسلق الجبال والتأمل ايضا يستطيع ايجادها مجتمعة في وادي القلط، فلا أجمل من وادي تلفه الجنة بعبيرها.