تقرير ليسا غولدمان- فورين بولسي الامريكية
أثبتت الخدع السياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي في الآونة الأخيرة أنه شخص انتهازي من النوع الأسوأ، ويجب على الولايات المتحدة أن تتوقف عن دعم سلوكه السيئ
في الأسابيع الأخيرة، أظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرة أخرى أنه سيفعل أي شيء من أجل البقاء في السلطة. حتى لو كان هذا الأمر سيؤدي إلى إضعاف العلاقة الإسرائيلية بالولايات المتحدة، وهي حليفة إسرائيل الأكثر أهمية، فإنه سوف يقوم بذلك. وحتى لو كان ذلك يعني الغرق في القاع مثلما حدث لأسعار النفط الخام، فإنه سوف يذهب إلى القاع. ولو كان ذلك يعني القيام بإلقاء كمّ كبير من الأكاذيب التي يمكن لأي شخص لديه مستوى معقول من الذكاء أن يكتشفها، فإنه سوف يقوم بإلقاء هذه الأكاذيب.
والنقطة الجوهرية لفهم شخصية نتنياهو والتي يجب أن تأخذها كأمر بديهي؛ هي أنه لا يهتم سوى بشيئين فقط: البقاء في السلطة، والحفاظ على السيطرة الإسرائيلية على أرض الجولان والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد صدم الانتصار الانتخابي الذي حققه نتنياهو في 17 مارس كلّا من الليبراليين الإسرائيليين والمراقبين الأجانب. حيث كانت الحكمة التي يتم الترويج لها أثناء الحملة الانتخابية هي أن المواطنين العاديين يهتمون بالقضايا الاقتصادية أكثر من القضايا الأمنية، وأن خطاب 3 مارس المثير للجدل الذي ألقاه أمام الكونجرس الأمريكي لم يفشل فقط في إكسابه دفعة في استطلاعات الرأي، وإنما أثار بالفعل رد فعل عنيف لعلاقاته المتضررة مع الولايات المتحدة.
وقد بدا أن “الأساليب البهلوانية” التي يمارسها نتنياهو، كما يسميها أحد زملائه، لم تعد مجدية. ووفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة التي تم إجراؤها قبل الانتخابات بيوم، حصل حزب الليكود بزعامة نتنياهو على 20 مقعدا، في حين حصل الاتحاد الصهيوني منافسه الرئيس على 24 مقعدا. ولعل بقاء نتنياهو في السلطة لفترة طويلة جعلته غير قادر على فهم ناخبيه!
ولكن اتضح فيما بعد بالطبع أن نتنياهو قد فهمهم على نحو أفضل بكثير من أي شخص آخر. حيث توجه بشكل أساسي خلال الأيام التي سبقت يوم الانتخابات مباشرة إلى قاعدته الشعبية بخطاب شعبوي هو الأكثر ابتذالا وعنصرية يمكن أن تتخيله. حيث خاطب مخاوف الناخبين وحاجتهم إلى الانتماء إلى فصيل معين؛ وهو الفصيل الداعم لحزب الليكود، وطالبهم بولاء لحزبهم بلا تردد، كما يوالي الرجل الإنجليزي فريقه المفضل لكرة القدم.
وفي مقابلة شخصية مصورة مع صحيفة معاريف، وهي موقع إخباري إسرائيلي يملكه الملياردير الأمريكي شلدون أديلسون، قال نتنياهو صراحة إنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية خلال فترة ولايته.
وقد حث نتنياهو الإسرائيليين، من خلال صفحته النشطة جدا على فيسبوك وعن طريق تويتر ورسائل sms ورسائل البريد الصوتي، على التصويت من أجله لأنه دائما ما وقف بينهم وبين حكومة يسارية تريد تقسيم القدس والانسحاب إلى حدود عام 1967، تاركة الضفة الغربية مفتوحة لإقامة دولة إسلامية تطل على تل أبيب ومطار بن جوريون.
والأدهى من ذلك، أنه قام في يوم الانتخابات نفسه بتسجيل فيديو مدته 30 ثانية على فيسبوك ظهر فيه واقفا أمام خريطة الشرق الأوسط كما يقول بشكل عاجل، لاستدعاء احتياطي الجيش لمواجهة طوارئ الأمن القومي: “حكومة اليمين في خطر. العرب يخرجون بأعداد كبيرة إلى مراكز الاقتراع. والمنظمات غير الحكومية اليسارية تنقلهم بالحافلات“؛ حتى إنه قام باستخدام مصطلح “Tzav 8” الذي يشير إلى حالة استدعاء الطوارئ في الجيش.
وكما لاحظ الصحفي الإسرائيلي البارز حانوك داوم، في منشورات فيسبوك منتشرة على نطاق واسع، إذا كان للمرء أن يطرح نسبة للمصوتين المتشددين وأصوات المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل؛ فإن واحدا من بين كل ثلاثة إسرائيليين قد صوت لحزب الليكود. وذهبت أغلبية مقاعد الكنيست إلى صالح أحزاب اليمين، المعسكر القومي.
وقد صُدم بقية العالم، ولكن الحقيقة هي أن إسرائيل أصبحت مجتمعا يمينيا؛ حيث تشيع اللغة العنصرية بشكل سافر. “الطعم العربي” هو مصطلح مألوف لدى العامة، وعلى سبيل المثال، اعتدى المشرعون اليمينيون في السنوات الأخيرة على أعضاء الكنيست من العرب عندما كانوا يقومون بإلقاء الخطابات.
وهناك الكثير من الأمثلة التي قد تصدم الليبراليين الغربيين، ولكنه يتم تجاهلها في إسرائيل. وقد ألقى أعضاء في الكنيست خطابات أشاروا فيها إلى المهاجرين من السودان على أنهم “سرطان في جسدنا“.
وبالمثل، فإن وسائل الإعلام الدولية لم تسلط الضوء على رفض نتنياهو لتأسيس دولة فلسطينية. وفي شهر يوليو الماضي، عندما قال في خطاب له إنه لن يسمح بدولة فلسطينية بدون حضور عسكري إسرائيلي على أراضيها -وهو مجرد اسم آخر للاحتلال العسكري- مر هذا الخطاب دون أن يتم تناوله في الإعلام الدولي تقريبا، وتم تناوله بالكاد في الإعلام الإسرائيلي.
ويبدو أن الخطاب الحاد الذي استخدمه نتنياهو في مقابلة صحيفة معاريف الذي جاء بعد إهانة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بخطابه يوم 3 مارس في الكونجرس دون مبالاة، أثبت الوصول إلى منعطف حرج نوعا ما.
وقد أشار البيت الأبيض إلى أن إسرائيل سوف تواجه عواقب وخيمة على الصعيد الدبلوماسي بسبب تنكرها لحل الدولتين. وقبل أشهر قليلة، نشرت صحيفة هارتس تقاريرا لوثيقة مسربة من الاتحاد الأوروبي توضح عقوبات سوف يتم فرضها على إسرائيل في حال رفضها بشكل رسمي التفاوض على الانسحاب من الضفة الغربية وإقامة دولة فلسطينية. وفجأة يبدو أن نتنياهو ربما قد يذهب بعيدا.
ولكن بعد ذلك، تغير الموقف كليا: وفي يوم الخميس 19 مارس فقط بعد يومين من الانتخابات، صرح نتنياهو بهدوء لمراسل محطة MSNBC قائلا إنه لم يتنكر في واقع الأمر لفكرة الدولتين، كما قال إن الواقع قد تغير، وأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد رفض الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وعلاوة على ذلك، قام بإبرام اتفاق مع حماس لتدمير إسرائيل.
وفي واقع الأمر، فإن كلا التصريحين محض أكاذيب. حيث كان نتنياهو هو الذي قام بتغيير الموقف في عام 2009 بعد أن فرض على عباس شرط الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. وقد كان هذا شرطا جديدا تماما، ولم يكن أبدا جزءا من المفاوضات السابقة مع الفلسطينيين.
أما فيما يتعلق بالاتفاق المزعوم بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس، فلم يكن هناك شيء من هذا القبيل، حيث اختلقه نتنياهو ببساطة. ولكنه يكون شخص مقنع جدا، ومستعد إلى أبعد الحدود، عندما يتحدث إلى الإعلام الأمريكي وعندما يجيب على أسئلتهم الناعمة. ولا عجب في أنه قد قاطع الإعلام الإسرائيلي لسنوات، في حين كان يدلي بأحاديث منتظمة إلى الشبكات الأمريكية.
والسؤال الآن هو: هل ستستمر الولايات المتحدة في عملية تمكين نتنياهو أم لا. بعد يومين من تصريحه باللغة العبرية، بشكل واضح وبدون أي مواربة، أنه لن يسمح أبدا بقيام دولة فلسطينية خلال مدة ولايته. وبعد أن أخبر الصحفي الأمريكي بهدوء باللغة الإنجليزية التي يتحدثها بطلاقة وبدون لكنة غريبة، أنه لم يكن يقصد ما قاله.
وقد احتلت إسرائيل الضفة الغربية منذ ما يقرب من 50 عاما حتى الآن. وحافظت على الإغلاق العسكري لقطاع غزة لما يقرب من عِقد من الزمان، دون أي إشارة إلى تغيير حتى على مستوى السياسات.
وهذا الموقف لا يمكن استمراره دائما. فهناك ما يقرب من 13 مليون نسمة يعيشون في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، ولكن يوجد 8 مليون فقط يمتلكون حق التصويت.
وعند نقطة ما، سوف يضطر الأمريكيون الذين يتحدثون عن القيم المشتركة إلى التساؤل عما إذا كانت عملية التمييز العنصري هي أحدى هذه القيم أم لا. وبالنظر إلى الخطاب المتدفق عاطفيا الذي ألقاه أوباما أمام جسر إدموند بيتوس في الذكرى الخمسين لمسيرة “سلما” السلمية، فربما سوف تكون الإجابة لا. حيث ينبغي على إدارة أوباما أن تتوقف عن التظاهر بأنها لا ترى أن نتنياهو يكذب عليها، وأنه لا يمكنها أن تثق به. وأفضل شيء يمكن أن تفعله هذه الإدارة أن تعلن أن رئيس الوزراء هو شخص غير مرغوب فيه.