المهر في الشريعة الإسلامية هبة وعطية، وليس له قدر محدّد، إذ الناس يختلفون في الغنى والفقر، ويتفاوتون في السعة والضيق، فتركت الشريعة التحديد ليعطي كل واحد على قدر طاقته وحسب حالته، وقد اتفق الفقهاء على أنه لا حدّ لأكثر المهر لقوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا}.
قال العلامة القرطبي: في هذه الآية دليل على جواز المغالاة في المهور، لأن الله تعالى لا يمثّل إلاّ بمباح، وذكر قصة عمر وفيها قوله أصابت امرأة وأخطأ عمر. وقال قوم: لا تعطي الآية جواز المغالاة في المهور، لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم:«من بنى مسجدًا لله ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة» ثم قال: وأجمع الفقهاء على ألا تحديد في أكثر الصداق.
وأمّا أقل المهر فقد اختلفوا فيه على أقوال:
أ- أقلة ثلاثة دراهم (ربع دينار) وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى.
ب- أقله عشرة دراهم (دينار) وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
ج- لا حدّ لأقله ويجوز بكل شيء له قيمة وهو مذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله.
قال الحافظ وقد وردت أحاديث في أقل الصداق لا يثبت منها شيء.
قال العلامة القرطبي: تعلق الشافعي بعموم قوله تعالى: {بأموالكم} في جواز الصداق بقليل وكثير، وهو الصحيح ويعضده قوله عليه السلام «لو أن رجلًا أعطى ملء يديه طعامًا كانت به حلالًا» وأنكح سعيد بن المسيب ابنته من (عبد الله بن وَدَاعة) بدرهمين.
قال الشافعي: كل ما جاز أن يكون ثمنًا لشيء أو جاز أن يكون أجرة جاز أن يكون صداقًا، وهذا قول جمهور أهل العلم وأهل الحديث، كلهم أجاز الصداق بقليل المال وكثيره.
حجة المالكية والأحناف: أن الشيء الحقير لا يصلح مهرًا، ولابد في المهر من قدر معلوم من المال، ولما كانت يد السارق لا تقطع إلاّ في دينار (على قول أبي حنيفة) وفي ربع دينار (على قول مالك) اعتبر هذا القدر في المهر قياسًا على حد السرقة.
واستدل أبو حنيفة: بما رواه جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صداق دون عشرة دراهم».
الترجيح: أقول ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة أرجح فقد زوّج عليه السلام أحد الصحابة على ما يحفظه من القرآن«زوجتكها بما معك من القرآن» وقال لشخص: «التمس ولو خاتمًا من حديد»، وزوج سيد التابعين (سعيد بن المسيب) ابنته على درهمين ولم ينكر عليه أحد، والأصل في المقادير إثباتها بطريق الشرع، وليس ثمة حديث صحيح في أقل الصداق يصلح حجة كما قال الحافظ والله أعلم.