ما تشاهده في الخليل لا تشاهده في أي مكان آخر في العالم، المستوطنون يحاولون السيطرة على كل خرم إبرة موجود في المنطقة المستهدفة من تل الرميدة حتى شارع الشهداء، في البلدة القديمة في الخليل، من المسجد الإبراهيمي حتى تصل إلى مستوطنة كريات أربع، ولكن يوجد أمل في شبابنا الذي يتصدى ويدافع، ويحاول إعاقة وعرقلة المشروع الاستيطاني من خلال العمل الشعبي السلمي المقاوم، فحرروا بيتاً، وعطلوا مشروعاً وتمدداً استيطانياً في قلب المدينة، ونجحوا بتأسيس مركزهم وأسموه مركز الصمود والتحدي؛ ليصمدوا في وجه الاستيطان وليتحدوا الاحتلال وأدواته القمعية التهجيرية.
يقع مركز الصمود والتحدي في منطقه تل الرميدة التي كانت مملكة رومانية، وما زالت الآثار تشهد على تاريخية المنطقة وأشجار الزيتون المعروفة حتى أيامنا هذه بالزيتون الروماني والمعروف بجودته، حيث إن شجرة الزيتون التي يعود تاريخها إلى مئات السنين شاهد حي على ذلك، وعلى فلسطينية هذه المنطقة التي تعتبر من أقدم المناطق المسكونة في العالم.
يطل المركز على شارع الشهداء والمسجد الإبراهيمي الشريف والبلدة القديمة، بالإضافة إلى العديد من الأحياء الأخرى، حيث جمال المنظر وأنت تقف أمام المركز يسحر القلب، ويفتح الشهية لمقاومة الاحتلال والاستيطان السرطاني في قلب المدينة المقدسة.
كان المركز عبارة عن بيت فلسطيني لعائلة فلسطينية هجرت بيتها تحت ضغط الاحتلال لوجود هوية القدس لهذه العائلة، واضطرت العائلة إلى ترك المنزل بعد تهديدهم بسحب هوياتهم.
هذا البيت لا يبعد سوى أمتار قليلة عن مستوطنة تل الرميدة وقاعدة جيش الاحتلال الإسرائيلي وقد تم احتلال البيت من قبل جيش الاحتلال في عام 2001، وتم استعماله من قبل الجيش لاحتجاز المواطنين والتنكيل بهم، هذا ما عرفنا بأن المستوطنين كانوا يقضون بعض وقتهم مع الجيش، وإذا ما علمنا بأن المستوطنين كانوا يتطلعون إلى استلام البيت المحتل من الجيش؛ وذلك لقربه من المستوطنة، بالإضافة إلى توسيع امتداد المستوطنة المعروفة باسم "رمات يشاي" باتجاه المستوطنة التي تفصلها عنها بعض عشرات الأمتار، وهي مستوطنة "بيت هداسا"، حيث إن المشروع الاستيطاني داخل مدينة الخليل يتمثل بتوصيل البؤر الاستيطانية الأربع مع بعضها البعض جغرافياً، من خلال ترحيل المواطنين الفلسطينيين من بيوتهم، ومن ثم السيطرة على المسجد الإبراهيمي وضمه لمستوطنة "كريات أربع" المقامة شرق مدينة الخليل.
بعد تلمس الخطر الذي شكله وجود الجيش في هذا البيت ومشاركة المستوطنين في التواجد داخل البيت أحياناً، تم استئجار البيت من قبل العائلة الفلسطينية عام 2007؛ للبدء في عملية نضالية وقانونية وإعلامية تخللها اعتصامات متكررة أمام المنزل المحتل، واستقدام وفود أجنبية نشطاء فلسطينيين، وفي أواخر عام 2007 نجح الشباب بإخراج الجيش من البيت المحتل، وتحريره بالكامل هو والأرض المحيطة به، وتم منع توسع المستوطنة من الجانب الشرقي.
ومع استمرار هجمات ومضايقات المستوطنين، ازداد الشباب عزيمة وتحدياً في استمرار حماية البيت لمدة 3 شهور على مدار 24 ساعة في اليوم، دون كلل أو ملل، ولقد بدؤوا بعد ذلك في ترميم البيت الذي دمره الجيش بالكامل، حيث تم تخريب شبكات الكهرباء والمياه والنوافذ والأبواب وسرقة جميع محتوياته.
تم البدء في سلسة من البرامج و الدورات التدريبية التي كانت تهدف إلى إعادة الحياة إلى المنطقة، بعد أن نجحت سياسة الاحتلال من قمع وإذلال وسياسة تهجير بشكل هادئ من المنطقة، وعزلها عن شارع الشهداء والأحياء المجاورة، وكل هذه الإجراءات التعسفية أدت إلى الحد بشكل كبير جداً من الحركة في هذه المنطقة، ولقد نجح الشباب في تحطيم الحاجز النفسي لسكان المنطقة وخارجها، وتشجيعهم في المشاركة في نشاطات المركز في النواحي الاجتماعية والتعليمية والترفيهية، وبذلك أصبحت الحياة تعود من جديد وأصبح المركز مزاراً لزيارات العديد من المجموعات والأفراد من شتى أنحاء العالم.
ولكن للأسف أصبحت البلدة القديمة في الخليل مادة للدعاية الانتخابية فقط، وفي المقابل الاحتلال الإسرائيلي يجند جميع الأموال وإمكانيات دولته لزيارة البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي، حيث يزورها مئات آلاف من المستوطنين سنوياً، وعلى رأسهم عدد كبير من المسؤولين في دولة الاحتلال، وكان على رأسهم رئيس الدولة ومعظم رؤساء الأحزاب الإسرائيلية. والسؤال المهم هل نحن فعلاً نريد مقاومة الاحتلال والاستيطان أم إننا نتغنى فقط بالرغبة في المقاومة، والجهود الوطنية المبذولة هل هي فردية ونخبوية أم شعبية حزبية رسمية؟
•هذا المقال إهداء للشباب الصامدين في مركز الصمود، أقل الواجب كلماتي.