خالد معالي
عدة مناسبات تحل معا، وفها غصة في الحلق ووجع في القلب؛ وهي: يوم الأسير، وعيد العمال العالمي، واليوم العالمي لحرية الصحافة، وذكرى النكبة؛ حيث لا بواكي للصحفيين الفلسطينيين ويتوجعون دون صراخ.
العلاقة ما بين الأسير والصحفي والعامل واللاجئ؛ علاقة تراكمية وجدلية؛ لا تتوقف، فأكثر الأسرى هم إما من العمال أو من اللاجئين. والصحفيون في الأسر، مغيبون، ومنسيون، وبالكاد يتم ذكرهم في وسائل الإعلام؛ ولا نتذكرهم إلا في مناسبات شحيحة.
ستة ألاف أسير، و18 أسيرة؛ و16 صحفي أسير من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني، يأكل الحديد من أجسادهم، وتفنى زهرات شبابهم؛ وينتصرون في وقف بطش السجان بهم وعزلهم في حفر تحت الأرض أشبه بالقبور، وهم يذودون عن الأمة جمعاء في مواجهتها لقوى الظلم والطغيان المتجسدة بدولة الاحتلال، ولا حل لهم شافي وكافي إلا بالإفراج.
مهما فعلنا وقدمنا لنصرة الأسرى سواء الصحفيين وغيرهم؛ نبقى مقصرين، ولن نوفيهم حقهم، فلهم دين في أعناق كل شرفاء وأحرار العالم، ومعاناتهم وحدت ألوان الطيف الفلسطيني بشكل خلاق على الدوام.
عيد العمال هو أيضا غصة في القلب؛ فالعامل الفلسطيني يجري إذلاله وابتزازه خلال جمع لقمة خبز وحليب أطفاله، ولا يدعه الاحتلال يهنأ حتى بلقمة خبز هي مغمسة بالدم والعرق والمعاناة، ويلاحقه بالضرب، والسجن والتغريم وقطع الأرزاق، وقد يلاقي حتفه ويموت شهيدا بإطلاق جندي أو مجندة عليه الرصاص – حسب المزاج - خلال تخطيه للجدار والحواجز اللعينة التي تقطع الوطن إلى أجزاء وأشلاء.
والصحفي الفلسطيني لا يقل وجعه وألمه عن بقية شرائح الشعب الفلسطيني؛ فالاحتلال لا يريد أن يعرف العالم حقيقة إجرامه، فيقوم بملاحقة الصحفيين، والزج بهم في الأسر وبدون محاكمة بما يسمى الاعتقال الإداري، ومما يؤسف له ملاحقة الصحفيين الذين من المفترض أن يكونوا نبض الشارع ومرآته، وسلطته الأولى وليس الرابعة، وصار الصحفي لا سلطة له، ولا حول ولا قوة، ويخنقه ويقتله الرقيب الذاتي ويفتك به، وأمسى الصحفي في حالة مرضية بحاجة للعلاج كالجسم الصحفي ككل؛ وككل المجتمع الفلسطيني الغارق في معضلات وتحديات جسام تنوء من حملها الجبال.
ومما يوجع أكثر؛ قلة تغطية أخبار الانتهاكات بحق الصحفيين، حيث يوجد 16 من الصحفيين أسرى داخل سجون الاحتلال دون ذكر كافي لمعاناتهم.
أما الصحفيون الأسرى؛ فهم: مجاهد بني مفلح، ومحمود موسى عيسى من القدس، وياسين خضير، وعلاء الطيطي، وصلاح عواد، وعنان سمير عجاوي، ومراد محمد أبو البهاء، وثامر سباعنة، ووليد خالد وأحمد العاروري، وعمار زهير أسعد، وهمام عتيلي، وعزيز كايد، ونضال أبو عكر ، وأحمد فتحي الخطيب وأمين أبو ورده؛ كما تقبع في الأسر الأسيرة والطالبة في قسم الصحافة والإعلام بشرى الطويل.
اللاجئ الفلسطيني يستذكر نكبته، ويتألم لذكراها، ويحن لبيارات البرتقال والليمون، وحقول القمح والشعير، ويشده قرب العودة وأحقيته بما سلب منه في غفلة من الزمن والنكوص والتراجع العربي والإسلامي.
صحيح أن أسرانا وصحفيينا وعمالنا ولاجئونا، يزيدونا شرفا، ونفتخر بهم وببطولتهم وعزيمتهم التي تناطح الجبال، ونرفع رؤوسنا فيهم لتضحياتهم الجسام على مدى تاريخ القضية الفلسطينية؛ ولكن تضحياتهم يجب أن تعطي مردودا وثمارا طيبة كل حين بإذن ربها، يلمسها كل فرد في المجتمع الفلسطيني.
معلوم أن الحالة الفلسطينية فيها حمل ثقيل وزاد قليل، ومشوارها مع الاحتلال طويل، لا مكان فيه لقصار النفس؛ لذلك وجب على الكل الفلسطيني التوحد في جسد واحد إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؛ وليس كما يحصل الآن؛ إن اشتكى عضوا لم يسمع شكواه أحد، ولم يدعمه احد.
في المحصلة كما يقولون شدة وتزول؛ ولا يدوم إلا ما فيه الخير؛ "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"؛ وما هي إلا ساعات وأوقات عسر؛ لا يكون بعدها إلا اليسر؛ ، ومن أحسن من الله قيلا"؛ لتكون النتيجة على الدوام" ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله".