البيرة- مركز مسارات- قال الدكتور ناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، إن الفلسطينيين يستطيعون القيام بخطوات وتحقيق إنجازات حتى قبل، أو من دون، الانضمام إلى الاتفاقات والوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة، بالاستناد إلى حصيلة نحو خمسة عقود من القرارات الدولية التي تدين الاستعمار الاستيطاني، وقرارات محكمة لاهاي، واتفاقية جنيف الرابعة.
وأضاف القدوة: إن الدعوة إلى مقاربة جديدة يجب أن تستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وإلى تهيئة البيئة القانونية الداخلية أولا انسجاما مع الالتزامات التعاقدية المترتبة على الجانب الفلسطيني، والتمسك بعناصر القوة والإمكانات المتاحة لدى الفلسطينيين، وتغيير الخطاب، بالترافق مع حوار وطني شامل تشارك فيه مختلف الأطياف والفصائل والمكونات، على أساس برنامج وطني يجمع عليه الفلسطينيون، ويهدف إلى إنهاء الانقسام السياسي والجغرافي وإلى استعادة الوحدة الوطنية وتعزيز عناصر القوة.
ونوه إلى أن مثل هذه المقاربة باتت لا تحتمل التأجيل في ضوء صعوبة تخيل التوصل إلى إنجاز في التسوية السياسية، بالرغم من أن الولايات المتحدة سوف تتجنب المخاطرة بانهيار العملية التفاوضية، وستعمل على إبقائها مستمرة، من خلال عدم طرح موقف يغضب إسرائيل، أو يجبر الجانب الفلسطيني على رفضه، مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من توتر يضاف إلى ما تشهده المنطقة من توترات متفاقمة.
وكان القدوة يتحدث خلال لقاء نظمه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) في مقره بمدينة البيرة، حول التوجه إلى الأمم المتحدة، والأفكار المطروحة حول حل الدولتين أو الدولة الواحدة، والهدف الإستراتيجي الفلسطيني، في ضوء رفع مكانة فلسطين إلى دولة بصفة "مراقب"؛ بحضور عشرات الشخصيات السياسية والأكاديمية والديبلوماسية.
وأدار اللقاء الأستاذ هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، الذي تحدث عن آخر التطورات الراهنة بعد زيارة الرئيس محمود عباس إلى الولايات المتحدة ولقائه الرئيس باراك أوباما، وفي ظل الحديث المستمر عن خطة كيري واتفاق الإطار وتمديد المفاوضات، وخيار الدوليتن أو الدولة الواحدة.
وتطرق القدوة إلى لقاء الرئيس عباس وأوباما وإمكانية طرح اتفاق إطار، خاصة في ظل الأنباء عن إمكانية تمديد المفاوضات لفترة أخرى دون إمكانية تحقيق نجاح، ما يطرح على الفلسطينيين السؤال الأهم: ما العمل؟ داعيا إلى تغيير المقاربة الحالية التي تحكم المفاوضات، وفي مقدمتها دور الوسيط غير النزيه، من خلال العمل على استبدال الإطار الحالي بالاستناد إلى آليات جديدة تكون جزءا من الشرعية الدولية وتعمل ضمنها.
وأشار إلى أن إسرائيل تعمد إلى تقويض حل الدولتين عبر الإجراءات التي تقوم بها من خلال مصادرة الأراضي والتوسع الاستيطاني وجدار الضم والتوسع وتهويد القدس وأسرلتها. وعلى الفلسطينيين مواجهة ذلك وإجبار إسرائيل على تغيير سياستها من خلال مقاربة جديدة سلمية تختلف عن المقاربة الجارية حاليًا، حيث تكون المفاوضات على أساس مرجعيات واضحة وملزمة للجانب الإسرائيلي، خصوصًا في ظل انحيار الوسيط الأميركي بالكامل إلى إسرائيل، ما يعني أنها تريد فرض الحل الإسرائيلي على الفلسطينيين.
وحث القدوة إلى الاستفادة من المزايا التي تتيحها مكانة فلسطين في الأمم المتحدة بوصفها دولة بصفة "مراقب"، من خلال الانضام إلى الوكالات الدولية، ومحكمة الجنايات، الأمر الذي يعطي الفلسطينيين أوراق قوة أخرى، إضافة إلى الأوراق الأخرى التي يمكن الحصول عليها عبر إقامة تحالفات دولية، مثل تحالفات مع روسيا ودول أفريقيا ودول عدم الانحياز، وتفعيل هذه التحالفات بشكل أفضل بما يعادل ميزان القوى لصالحهم. ولكن حتى قبل القيام بكل ذلك، لا يوجد ما يبرر عدم التحرك ضمن ما توفره الشرعية الدولية للفلسطيينيين من أدوات فعالة لمواجهة الخطر الأكبر الذي يهدد المشروع الوطني، والمتمثل في الاستعمار الاستيطاني على الأرض الفلسطينية.
ولم يقلل القدوة من أهمية تثبيت المركز القانوني لدولة فلسطين، إذ يمثل ذلك تطورًا مهمًا إن حدث، فهو يغير المعادلة السياسية والقانونية للصراع لصالح الفلسطينيين، ويحقق جزءًا مهمًا من أهدافهم وحقوقهم، خصوصًا إذا ترافق مع خطوات تتمثل بتعبئة الشارع وتعديل الخطاب الفلسطيني الذي لا يعقل أن يواصل المطالبة بإقامة الدولة عبر المفاوضات، في حين تتمتع فلسطين دوليا بمكانة دولة، إذ إن هذا المركز القانوني يعني أن الفلسطينيين هم في حماية القانون الدولي كشعب ودولة تحت الاحتلال، وأن المطلوب هو الانسحاب من أراضي هذه الدولة.
كما أولى أهمية لمسألة مقاطعة إسرائيل أكاديميًا واقتصاديًا وسياسيًا وعلى كل المستويات والصعد، والعمل على زيادة الوعي لدى الشعب الفلسطيني، بدءا من المدرسة والمناهج والإعلام، بأهمية الأدوات التي يوفرها القانون الدولي ووقوف العالم بغالبيته الساحقة إلى جانب الفلسطينيين في مواجهة الاستعمار الاستيطاني.
وبيّن أن الأحداث الدولية، خصوصًا الأزمة الأوكرانية والملف السوري، تلقي بظلالها على الساحة السياسية الدولية ومكانة القضية الفلسطينية، داعيا إلى تكاتف الجهود لدرء الأخطار التي تحدق بالقضية الفلسطينية، خصوصًا في ظل تهميش حضور القضية ضمن المشهد السياسي الإقليمي والدولي، بسبب انشغال المنطقة والعالم بما يجري من أحداث وتطورات ومستجدات.
وحذّر من بعض الدعوات التي تنطلق من حقيقة تقويض إسرائيل لفرص تحقيق "حل الدولتين"، للهروب باتجاه تعويم الأمور بدلا من مواجهة السياسات الإسرائيلية اليومية، على طريقة المناداة بـ"دولة واحدة" لا يفرق فيها السكن في نابلس أو تل أبيب أو حتى في المستوطنات غير القانونية بموجب القانون الدولي، لأن النتيجة في هذه الحالة هي التخلي عن أدوات متاحة للفعل السياسي والقانوني والكفاحي، بل وشرعنة الاستعمار والاستيطان بانتظار "دولة واحدة" ليست في متناول اليد أصلا.
وقال إن ذلك لا يقلل من أهمية التفكير الإستراتيجي الفلسطيني في الخيارات المفضلة، وضرورة إطلاق حوار وطني شامل حول البرنامج الوطني، الذي يعتبر تغييره عملية طويلة ومتدرجة. وأضاف: برأيي أن التسوية التاريخية ربما تبدأ بدولة فلسطينية، لكنها ستكون مفتوحة باتجاهات يصعب التنبؤ بها الآن.
وتنوعت آراء الحضور، الذين دعوا بدورهم إلى الاستفادة من المكانة الجديدة لفلسطين من خلال الانضمام إلى الوكالات الدولية، ومحكمة الجنايات، واستخدام هذه المحافل من أجل الحصول على الحقوق الفلسطينية التي يتيحها القانون الدولي والشرعية الدولية، وفرض العقوبات على إسرائيل على احتلالها وجرائمها.
وأكد العديد منهم على أهمية وقف العملية التفاوضية، محذرين من تداعيات خطة كيري على القضية الفلسطينية، ومستقبل "حل الدولتين"، الذي تحاول إسرائيل تقويضه من خلال الإجراءات الاحتلالية الاستعمارية الاستيطانية. كما أولوا اهتمامًا كبيرًا لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.