رهام؛ هي أم فلسطينية بسيطة؛ كلها طيبة وأخلاق عالية؛ حلمت بتربية أطفالها أحسن تربية؛ وعلمتهم حب الوطن؛ وأرادت العيش بسلام وهدوء وطمأنينة؛ كبقية نساء العاملين؛ إلى أن جاء المستوطنون المستجلبون من فيافي الأرض ليحرقوها وأطفالها الرضع دون رحمة ولا شفقة؛ مستكثرين عليها أحلامها الجميلة.
يا لوجع الضفة ...!! ولكن الفلسطينيون لا بواكي لهم؛ تأمل معي؛ لو عكسنا الصورة؛ وقلنا انه قام مقاومون فلسطينيون بحرق طفل أو رجل أو امرأة من المستوطنين وما هم بفاعلين؛ كون أخلاقهم وتعاليم دينهم ومقاومتهم تمنعهم ذلك وتحرمه عليهم؛ ولكن لنقل ذلك جدلا من اجل المقارنة؛ فان الدنيا والعالم سيقوم ولا يقعد؛ وسيتهم الشعب الفلسطيني وبمختلف ألوانه وقياداته بالإرهاب دون تمييز؛ ولشن "نتنياهو" حربا على غزة بحجة دعمها للإرهاب وقتل آلاف من الأطفال والنسا؛ ولتباكى العالم أياما وشهورا وسنين على المحروق الضعيف.
حتى اللحظة؛ يزعم " نتنياهو" عدم قدرته على التوصل إلى أي نتائج ملموسة تكشف الفاعلين من غلاة المستوطنين الذين حرقوا عائلة دوابشة؛ حيث أن رهام أدخلت المستشفى منذ 35 يوما عندما أحرق مستوطنون منزلها في قرية دوما جنوبي نابلس، واستشهد بفعل ذلك طفلها علي وزوجها سعد.
قارن كيف أن الاحتلال وخلال أيام في شهر رمضان الفائت كيف استطاع إلقاء القبض على خليتين للمقاومة قتلتا مستوطنين اثنين خلال أيام معدودة وقصيرة وبشكل سريع؛ وكيف انه حتى اللحظة لم يقبض على من حرق عائلة دوابشه.
قد يكون الاحتلال يخفي خبر استشهاد دوابشه خشية تصاعد الأحداث؛ وقد تستشهد رهام في أية لحظة؛ خاصة أن جسد المصابة دوابشة يعاني من ضعف في المناعة بعد احتراق الطبقة الجلدية، ودخول كميات كبيرة من الجراثيم داخل جسمها؛ وهي ذات الحالة التي تعرض لها شقيقه سعد (والد الرضيع) قبيل استشهاده".
أوجاع عائلة دوابشه تلخص حكاية وجع الضفة؛ ووطن اغتصب وسلب من قبل احتلال؛ يظن أن القوة تدوم له إلى الأبد؛ دون حفظ خط الرجعة؛ كون الأيام دول؛ والقوي لا تدوم قوته وإلا لساد الظلم والطغيان للأبد .
صعب الكتابة عن الوجع؛ والأصعب التعايش معه؛ فكثيرة هي أوجاع الضفة الغربية، التي تسد شرايينها وتثخنها بالجراح التي لا تندمل؛ كوحش وشيطان مغضوب عليه، يبتلع طيبتنا، وتعاوننا، ورحمتنا على بعضنا البعض، وطاقاتنا، وقدرتنا، وتحررنا...؟!
من غير الإنصاف أن نعلق كل أوجاعنا في الضفة ومصائبنا على شماعة الاحتلال؛ برغم كونه قوة ظالمة طاغية لها وزن كبير في تسيير الإحداث؛ فهناك أوجاع وآلام هي من صنع داخلي، وبما كسبت أيدينا، وعلى الانقسام نقيس.
ولو كان الاحتلال هو "الكل في الكل" ومن يصنع الحدث باقتدار، كما يخيل للبعض من قصار النفس وأصحاب فكر الهزيمة؛ لما أنسحب صاغرا ذليلا من جنوب لبنان وقطاع غزة؛ ولدخل قلب غزة في حربه العدوانية عام 2014 ورفع رايات النصر فيها؛ ولكن "نتنياهو" لم يتعلم الدرس جيدا؛ ولم يتقن فهم دروس التاريخ؛ بسرعة زوال الطارئ الغريب وبقاء الأصيل المتجذر منذ ألاف السنين.