منذ وقوع الأراضي العربية الفلسطينية أسيرةً بين فكي تشابك المصالح الصهيونية العالمية من جهة والقوى الامبريالية الاستعمارية من جهة أخرى في استهداف نهوض الأمة العربية وإقامة وطن قومي خاص بيهود العالم في فلسطين..منذ تلك النكبة المأساوية التي حلت بالشعب العربي الفلسطيني في العام 1948م والشعب يواصل تصديه ومقاومته للغرباء المستعمرين المجرمين ,وينتفض في وجه الحلف الصهيوامبريالي الكولونيالي ألإحلالي العنصري نيابة عن الأمة العربية متبوءاً مكانا رياديا وطليعيا في مسيرة النضال العربي ضد الاستعمار والاحتلال ,وأبلى في مقاومته بلاء حسناً ومميزاً,وسطر أروع الملاحم البطولية في العمل الفدائي المنظم والذي ألحق أفدح الخسائر في صفوف العدو الغاصب المحتل,وكانت إبداعاته النضالية أنموذجا يحتذي لدى شعوب العالم المقهورة والمكلومة.
وتواصل نضال الشعب العربي الفلسطيني دون انقطاع في مواجهة المخططات الصهيونية والامبريالية المحاكة ضد فلسطين والوطن العربي بمجمله حتى اندلاع ثورته الباسلة والإعلان عن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1965م لتؤخذ على عاتقها قيادة الفعل الشعبي المسلح والمنظم وريادة العمل الفدائي فلسطينيا وعربيا حتى تحرير فلسطين واستعادة كامل الحقوق العربية فيها ,وكذلك تمثيل الشعب الفلسطيني بمختلف أماكن تواجده في كافة المحافل العربية والدولية .وممارسة النضال والكفاح بكافة أشكاله وألوانه بهدف انجاز كامل أهداف الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير .
وأثناء العدوان الصهيونازي على القطر اللبناني الشقيق في العام 1982م والتي جاءت بهدف القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية واجتثاث جذوتها المتقدة هناك .ظن العدو خلالها ومن خلال بشاعة المشهد الدموي في صفوف الأبرياء من أبناء شعبنا في مخيمات اللجوء المنتشرة في الساحة اللبنانية وبتواطؤ من قوى الرجعية العربية أنه حقق أهدافه المرجوة بالقضاء والإجهاز تماماً على ثورة الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية وتمكنه من إبعاد شبح المقاومة الفلسطينية إلى ما وراء البحار, حتى فاجأهم الشعب الفلسطيني مجدداً وهذه المرة في الداخل المحتل بانتفاضة الحجر العارمة التي ضمت في صفوفها الشيب والشباب والطفل والنساء ,وقد أصطلح على تسميتها الانتفاضة الأولى والتي اندلعت شرارتها الأولى في نهاية العام 1987م واستمر عنفوانها وبسالة روادها حتى رضوخ العدو لشروط الحوار والتفاوض وخصوصا بعد أن وضعت حرب العراق مع العدوان الثلاثيني أوزارها ,مما اضطر العدو للجوء إلى الحيلة والخداع مستثمرا ذاك الحوار والاتفاقات المؤقتة الناجمة عن التفاوض ومنها اتفاق أوسلو الهزيل لتمرير أبشع وأكبر مشاريعه الاستيطانية والتهويدية ,وليجعل من تلك الاتفاقات أيضاً مشروع مقبرة للقضية الفلسطينية وشطبها من أولويات المسرح الدولي متناسيا عن جهل قدرة الشعب الفلسطيني على النهوض بثورته مجدداً ,فكانت الانتفاضة الثانية خير دليل على حجم الرد الفلسطيني والتي اندلعت في العام 2000م لتضع حداً لرهان العدو وقدرته على إنهاك الشعب وتركيعه أمام مشاهد الإبادة الجماعية والحصار ألتجويعي الظالم وإرهاب الدولة المنظم التي تعرض لها جلها الشعب الفلسطيني ولم تفلح بالمطلق في ترويضه وكبح جماح انتفاضته الثانية التي أبدع فيها شباب وشابات فلسطين وكانت فيها أجسادهم المتفجرة والمتطايرة بمثابة صواريخ عابرة للقارات وحجارتهم وكأنها شرر من سجيل تلفح وجه المحتلين, مما حدا بالولايات المتحدة الأمريكية للتداعي والهرولة لجهة إنقاذ حليفها وكر الدبابير والتحايل والالتفاف ثانية على الانتفاضة المجيدة من خلال جرعة من المفاوضات العبثية التي بمجملها لم تضع حداً للتمدد الاستيطاني البغيض وتهويد المقدسات ومواصلة شن الحروب المدمرة على قطاع غزة وما رافقها من جرائم الإبادة الجماعية وجرائم التطهير العرقي والجرائم بحق الإنسانية .
وبعد وقوع الانقسام الناجم عن الفساد والتفرد والاستحواذ والتعصب في الساحة الفلسطينية وما رافقه من يأس وبأس في الشارع إضافة لتحييد العراق بعد غزوه عن جوهر الصراع العربي الصهيوني وانتشار الفتن على الأسس الطائفية والمذهبية وثورات الربيع العربي في الشارع العربي برمته من المحيط إلى الخليج والتي ظن العدو خلالها أن الفرصة الذهبية سانحة لابتلاع ما تبقى من أشلاء العروبة في فلسطين والإجهاز تماماً على الأقصى المبارك وبقية المقدسات وتهويد القدس والأغوار بالكامل وتقطيع أوصال الضفة الغربية وتكبيلها بالحواجز والسواتر والأسلاك الشائكة وممارسة التمدد الاستيطاني بأبشع صوره ,حتى جاء الرد الفلسطيني هذه المرة مزلزلا ومطلقاً انتفاضته الثالثة وقودها أطفال وصبية وفتية وفتيات يحملون في أيديهم سكيناً وكأنهم أبطال الهولوويد والبولوويد ويمتطون مركبات تجيد الدهس والدعس تركت معها العدو الصهيوني ولأول مرة يعيش حالة من الإرباك والتخبط وتفرض منعاً للتجوال على حركة المجتمع الإسرائيلي الخائف والبائس ...نعم لقد كان لهم الشعب الفلسطيني بالمرصاد وفجر انتفاضته الثالثة والمباركة في مطلع تشرين الأول من العام 2015م ليؤكد مجددا إصراره على مواصلة الكفاح والنضال حتى كنس الاحتلال واجتثاث الورم الصهيوني الخبيث من على كافة الأراضي العربية المحتلة والمغتصبة منذ العام 1948م وتحقيق كامل أهداف شعبنا في العودة والحرية والاستقلال وتحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ..ولن ينفع عدونا وداعميه كل المحاولات الرامية إلى إجهاض انتفاضة الشعب المتواصلة حتى النصر والتحرير واقتلاع الصهيونية وشرورها تماماً من المنطقة العربية برمتها..مما يتطلب من الكل الوطني العمل سريعاً على إعادة ترتيب البيت الداخلي بما يلاءم متطلبات المرحلة الدقيقة التي نعيشها في ظل الأوضاع الدولية الراهنة والوضع العربي المزري,وكذلك ضرورة الذهاب جميعا نحو تشكيل القيادة الوطنية الموحدة والقفز على كل ما يعيق وحدتنا الوطنية بهدف وضع البرامج النضالية وترتيب الفعاليات الوطنية ووضع سقف سياسي للانتفاضة المجيدة مع الاستفادة من تجاربنا السابقة في هذا المجال..وحتماً إننا لمنتصرون.
بقلم : ثائر حنني
بيت فوريك – فلسطين المحتلة
كانون أول- 2015