فيسبوك.. المدنيون ضحايا ومقاتلون في سوريا
في السنة الأولى من الثورة السورية، كان يوتيوب بطلا من أبطالها وشريكا في إنجاح انتفاضة السوريين، وكان له الفضل في التغلب على منع النظام لوسائل الإعلام الحيادية والدولية من تغطية عنفه، فاعتمد العالم على الأفلام المصوّرة بكاميرات الهواتف المحمولة للناشطين لمعرفة حقيقة ما يجري داخل سوريا، ولا شك أن التوثيق المرئي لمرتكبي جرائم الحرب سيكون ثروة معلوماتية حين يصل الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية.
كذلك لعبت مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى وخاصة فيسبوك دورا هاما وإيجابيا بشكل مشابه للدور المحوري الذي لعبته في انتفاضة تونس ومصر، على الأقل في السنتين الأوليين بعد انطلاق الثورة في سوريا، فكان فيسبوك وسيلة تواصل أساسية بين المتظاهرين المنتشرين في كل المدن السورية، ووسيطا للتنسيق بين معارضي النظام، كما كان يستغل لحشد التأييد ضد ممارساته التي تدرّجت من أمنية إلى عسكرية فحربية، وكان منبرا للمعارضة للتعريف بأهداف الثورة، وأداة لرفع مستوى الوعي السياسي.
مع تطور الأحداث، حشد النظام منظومة مُتكاملة من “الشبيحة في مجال المعلوماتية” كان شاغلها الأكبر زيادة التحريض الطائفي والمناطقي، والتجسس على الناشطين ليلقوا مصائر سوداء على يد الأجهزة الأمنية، وإهانة المعارضين واتهامهم بالخيانات والعمالة ونشر الإشاعات حولهم، واستخدام كل الوسائل الممكنة لبث الكراهية في هذا العالم الافتراضي.
قابل ذلك “عنف إلكتروني” مضاد، ونجح النظام بجرّ شريحة واسعة من البيئة المؤيدة للثورة للسقوط في فخ التحريض الذي أراده، كل هذا غيّر بعمق طبيعة ومهمة هذا الأثير الافتراضي، فبات الآن ساحة حرب أخرى افتراضية تجري على هامش الحرب الميدانية الدامية، حرب بين المعارضين والمؤيدين، وأخرى بين المعارضين أنفسهم.
الناشطة السورية في المجتمع المدني وحقوق الإنسان ميّة الرحبي تؤيّد وجود تغيّر عميق في طبيعة الصراع عبر الأثير الافتراضي، الذي كان نافذة للحرية وأصبح صراعا بين “ثوار” و“شبيحة” وأيضا كان صراعا بين المعارضين، وقالت لـ“العرب”: هناك بالفعل حرب افتراضية بالتوازي مع الحرب الدائرة على الأرض ومسرحها فيسبوك بشكل أساسي، حيث يتم تداول الاتهامات والتشهير والتعريض بالأشخاص والمواقف، ومن ثم تنتشر هذه الآراء إلى المجالس العامة والخاصة. ولكنها لا تحمّل هذا الأثير اللوم في صدام المعارضات السورية ببعضها.
منظومة "الشبيحة الإلكترونيين" كانت مهمتها التحريض الطائفي والمناطقي، والتجسس على الناشطين ليلقوا مصائر سوداء
وأضافت “صراع المعارضات غير ناتج عن تأثير فيسبوك، فهو موجود سابقا وما تمّ حاليا هو نقله إلى العالم الافتراضي، فالمعارضات المريضة هي نتاج عقود من الاستبداد الذي عانت منه مجتمعاتنا، لم يُتح لها الوقت كي تتعافى وتنمو في ظل الظروف المتسارعة التي تلت الثورة، والتي جُوبهت بعنف غير مسبوق من النظام وتدخل سافر من جهات إقليمية ودولية”.
الباحث الاجتماعي رائد طلال يرى أن ما يحصل في مواقع التواصل الاجتماعي الآن هو خلاصة لما خطط له النظام، وأوضح “عمل النظام بكل الوسائل لتسليح الثورة، لأن سلميتها تصيبه في مقتل، وبشكل مشابه حرر استعمال الإنترنت، حيث باتت المواقع من أهم وسائل التواصل والتأثير على الرأي العام، فقام في الأشهر الأولى للثورة برفع الحظر الذي كان مفروضا لسنوات على مواقع التواصل الاجتماعي، وبارك تشكيل جيش إلكتروني بإشراف أجهزة الاستخبارات مهمته الأساسية التحريض وبث الحقد بين مكونات الشعب السوري، جيش خوّن الجميع وطالب بإقصاء بل وبإبادة من لا يؤيد النظام، ولعبت في مرحلة لاحقة بعض المعارضات المُصنّعة دورا كبيرا في التحريض ضد معارضين منافسين، حتى لا يُقصوهم ويحرموهم من منصبهم الافتراضي، فصارت المواقع الاجتماعية عبئا أخلاقيا وقيميا”.
بالتوازي مع ذلك، طرحت مواقع التواصل الاجتماعي مشكلة من نوع آخر، حيث صارت مصدرا أساسيا لأخبار المعارضين والمؤيدين، ومصدرا غير موثوق ومُخترقا ومليئا بالمبالغات والأكاذيب.
بالنتيجة، علت في مواقع التواصل الاجتماعي أصوات الانتقام والتخوين إلى أبعد حد بين كل الأطراف السورية، أصوات لن تهدأ بسهولة في الغالب حتى لو تم تغيير النظام السياسي، وستمتد نتائجها إلى أبعد من نهاية الحرب الميدانية، وترى الرحبي أن “العدالة الانتقالية وحدها كفيلة بالحد من هذه الظاهرة، يلزم هذه الظاهرة المرضية سنوات لتنتهي، لكن في حال طُبّقت العدالة يمكن تجاوز جزء كبير من عدم الثقة والتشكيك والتخوين”.
وترى الرحبي، التي شاركت في تيارات سياسية سورية معارضة، أن معارك فيسبوك تختصر المشهد الحقيقي للسوريين في سلبياته وإيجابياته. وتقول إن “التضامن مع المعتقلين مثلا هو انعكاس إيجابي، وتعميق الانقسام الطائفي فهو انعكاس سلبي، ويمكنك أن نجد المعتدل والمتطرف واللامبالي والعاقل، وهو ما يعكس تماما ما هو موجود على أرض المعركة السورية”.
باسل العودات -العرب