مقارنة الوضع النفسي للمستوطنين في الشهر الثالث لانتفاضة القدس عن ما قبل الانتفاضة؛ ترينا مدى نجاح عمليات الطعن والدهس وإطلاق النار في تدمير نفسيات المستوطنين؛ بحيث باتوا يخشون المرور قرب القرى الفلسطينية، ويفضلون قضاء إجازاتهم أيام الجمع والسبت داخل الأراضي المحتلة عام 48، وباتوا يخشون الوقوف على محطات نقل الركاب على حواجز الاحتلال خشية مرور مركبة فلسطينية قرر سائقها بلحظة عابرة دهسهم.
في الشهر الثالث لانتفاضة القدس؛ أصبحت مقولة احتلال واستيطان رخيص من الماضي؛ وبات كل ظلم واستيطان وإذلال من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين للفلسطينيين له ثمن، وما عاد الشعب الفلسطيني ومقدراته؛ بهذا الرخص الذي ظنه "نتنياهو" من قبل.
من الخطأ مقارنة عدد الشهداء؛ بعدد من سقط من جنود الاحتلال أو المستوطنين؛ لان الثورات أو الانتفاضات كانت دوما عبر التاريخ تقدم ثمنا اكبر، وقتلى الاحتلال في النار كونهم ظلمة؛ وقتلى الشعب الفلسطيني شهداء أحياء عند ربهم يرزقون؛ وليسوا بقتلى وموتى.
انتفاضة القدس علمت في شهرها الثالث على ترسيخ زيادة توتر وإرباك جنود الاحتلال؛ بحيث بات كل جندي فاقد للتركيز؛ وعبارة عن آلة موت ويطلق النار بسبب وبغير سبب، بشبهة وبغير شبهة، وصار عاديا أن يضع سكينا بجانب الشهيد لتبرير جريمته؛ وبات الجندي هدفا للطعن والدهس وإطلاق النار؛ والموت في أية لحظة يلاحقه، كونه متواجد في الضفة الغربية، فوق ارض يحتلها بقوة البطش والإرهاب وإذلال الفلسطينيين على الحواجز وقهرهم وتعذيبهم لمجرد التسلية في أحيان كثيرة.
وحال المستوطنين وجنود الاحتلال في الداخل المحتل عام 48 ليس بأفضل حالا من الجنود والمستوطنين المتواجدين في الضفة؛ حيث يروي العمال صور كثيرة من التوتر والإرباك الذي يسود أل 48؛ فكل مستوطن يركب الحافلات أو يتبضع ويتسوق في الأسواق، تكون عيونه تترقب وتنتظر أية حركة غير طبيعية للصراخ والاستنجاد بالشرطة، وقد يكون المستهدف مستوطنا مثله أو يهودي من أصول شرقية، وهو ما يتكرر كثيرا.
قبل انتفاضة القدس كان المستوطنون يصولون ويجولون في جبال الضفة الغربية وكانت جبالها عبارة عن منطقة سياحية مجانية لهم؛ وألان بالكاد تجد مستوطنين حتى على الطرق الالتفافية إلا بحراسة مشددة من جنود الاحتلال، خشية التعرض لعمليات المقاومة الفلسطينية.
مكابرة "نتنياهو" وتياسة" ليبرمان"، و"بينت"، لن تجدي نفعا؛ فلو طبق جيش الاحتلال مطالب "ليبرمان" بتصفية قيادات حماس ردا على عمليات المقاومة؛ فان ذلك قد يدفع المقاومة لعمليات اخطر توازي التصعيد الجديد؛ وقد يكون ذلك بالعمليات التفجيرية الاستشهادية؛ وهو ما لا يريده قادة الاحتلال.
غالبية العمليات للمقاومة من طعن ودهس جرت على حواجز الاحتلال؛ كون تلك الحواجز هي التي تسوم الفلسطينيين سوء العذاب ظلما، فكان لا بد من الرد على ذلك باستهداف تلك الحواجز وهي نتيجة منطقية وعادية، في محاولة لإزالة هذا الظلم المتمثل بالحواجز؛ أو على الأقل إيصال رسالة للاحتلال بان إذلالك للفلسطينيين عل الحواجز له ثمن يجب أن تدفعه.
ماذا كان يتوقع"نتنياهو" من شعب احتلت أرضه وطرد وهجر سبعة مليون من سكانه الأصليين منذ آلاف السنين لمنافي الأرض؟! هل كان يتوقع أن يخاف من جيشه الذي لا يقهر ؟! وان يبقى ساكتا على الظلم؟! إذن النتيجة المنطقية هي الانتفاضة والثورة على الظلم والطغيان لمتمثل بالاحتلال الغاشم.
لم يعد، ولم يكن يوما؛ اليهود شعب الله المختار كما روج كبار حاخامات اليهود ومنظريهم، بل هم عبارة عن قرابين للحضارة الغربية، جمعوهم في فلسطين المحتلة، ليتخلصوا من عبئهم ومشاكلهم، وليتم التخلص منهم لاحقا بحسب مخططات أوروبا؛ لأنه لا يعقل أن تبقى الشوكة في الجسد للأبد، ولا يعقل أن يبقى خمسة مليون يهودي؛ وسط محيط هادر من العرب والمسلمين بعدد مليار ونصف، رغما عنهم ودون إرادتهم.
لن يعتبر "نتنياهو" من التاريخ؛ ولن يسلم بالحق الفلسطيني؛ كون الطغاة عبر الزمن كانوا مقفل على قلوبهم وعقولهم بسبب المكابرة والعناد وعدم الفهم الصحيح لسنن الله في الكون؛ التي قضت بزوال الطارئ الغريب الظالم؛ وبقاء الأصيل الخير وصاحب الحق؛" فاعتبروا يا أولي الأبصار".