تصاعدت حدة حرب باردة تدور رحاها بهدوء بين شبكات التواصل الاجتماعي، إذ بدأ تويتر مؤخرا يشعر بثقل ضغط فيسبوك الذي يعكف على تطوير محتواه طوال الوقت، بينما يظل تويتر حبيس 140 حرفا هي حجم التدوينة الشهيرة التي منحته طابعا مميزا منذ انطلاقه.
وتمكن فيسبوك من غزو جميع الأجهزة الذكية بدءا بالهواتف وأجهزة الكومبيوتر اللوحي ووصولا إلى ساعة سمارت ووتش من أبل.
وفي مقابل التوسع ذي الوتيرة المتسارعة، ظل تويتر متمسكا بطبيعته كموقع للتدوينات القصيرة ولم يفكر في التحول فعليا إلى شبكة للتواصل الاجتماعي بشكل واقعي.
وتثير أسماء فيسبوك وتويتر المشاعر والآراء والخبرات لكل مستخدم الآن. وبغض النظر عن مستوى المشاركة، ليس هناك من ينكر الشعبية الهائلة لكل من فيسبوك وتويتر.
وفي يوليو الماضي، ذكرت تقارير إخبارية أن لاعب كرة السلة الأميركي ليبرون جيمس أطلق حسابا على تويتر، وتمكن على الفور من استقطاب 150 ألف متابع في 7 ساعات. وأصبحت مغنية البوب ليدي غاغا أول شخص في فيسبوك تصل إلى 10 ملايين متابع.
التنافس على أشده
وبعيدا عن الواقع، ساعدت وسائل الإعلام الرئيسية في إعطاء الانطباع بأن تويتر وفيسبوك مترادفان، وهذا ليس صحيحا. فما هي وظيفة هاتين الشبكتين والغرض من استخدامهما؟ كلا الشبكتين تعملان كشبكة خدمات للتواصل الاجتماعي. ومع ذلك، فإن فيسبوك يبدو أكثر مرونة وتنوعا. فيمكن لمستخدم موقع فيسبوك تحميل الصور وأشرطة الفيديو، والألعاب، والتطبيقات لملفه الشخصي، وتضمين مقاطع الفيديو من موقع يوتيوب، وإعداد جدول زمني للأحداث.
تويتر حفلة ضخمة لا يعرف فيها المستخدم أحدا ولكنه يرغب في ربط العديد من الصدقات، بينما يمكن أن يكون فيسبوك أشبه بحفل زفاف تحضره العائلة والأصدقاء
وللوهلة الأولى، يبدو تويتر كأنه يسمح فقط باستخدام النصوص، كما يخول استخدام النص مع الروابط. ويعتبر تويتر خدمة تدوين مصغرة في حين فيسبوك يتضمن جوانب كثيرة بما في ذلك المدونات الصغيرة.
ويظهر الفرق بين فيسبوك وتويتر في هذه الخاصية من التنوع، ولكن الفرق بين الشبكتين يبدو أكثر تعقيدا.
وإلى الآن لا يزال التمييز بين تويتر وفيسبوك غير واضح المعالم خاصة أن كلا الخدمتين تسعى لتكون مشابهة للأخرى. فقد أصبح فيسبوك أكثر نشاطا بعدما أضاف أدوات جديدة مثل واجهة فيسبوك موبايل الجديدة. ومن ناحية أخرى، حاول تويتر جعل نفسه أكثر تنوعا.
وبات المستخدم قادرا على ربط حسابه بخدمات أخرى مثل "لينكد إن". كما أتاح تطبيق تويتبيك للمستخدمين إمكانية تبادل الصور من خلال حساب تويتر في حين أن تطبيق تويتدك ساهم في انسياب التغريدات.
تويتر في واد وفيسبوك في واد آخر
فيسبوك وتويتر هما الشبكتان الاجتماعيتان الأكثر شعبية على الإطلاق. وظهرت شبكتا "ماي سبيس" و"لينكد إن" على أنهما أقرب الخدمات لفيسبوك في الوقت الذي يبدو فيه أن تامبلر أقرب خدمات التدوين المصغرة لتويتر. لكن ما يزال هناك الكثير من الفروق بين فيسبوك وتويتر تظهر بشكل أساسي في وسائل الاتصال الخاصة بهما.
تويتر أكثر نشاطا من حيث القدرة على التواصل
ويقول متخصصون في مواقع التواصل الاجتماعي إنه من المفترض أن يكون فيسبوك أكثر سلبية، كما قال جيف غلاسون الكاتب المتخصص في التكنولوجيا في وقت مبكر في عام 2008 في تقرير نشره على مدونة موقع سوشيال ميديا توداي.
في المقابل، يبدو تويتر أكثر نشاطا من حيث القدرة على التواصل، حيث أن الطريقة التي يتحدث بها المستخدم إلى المستخدمين الآخرين على الشبكة الاجتماعية، تبدو أكثر اعتماد على أسلوب المخاطبة.
لذلك لم يتردد غلاسون في تشبيه تويتر بحفلة ضخمة حيث لا يعرف فيها المستخدم أحدا ولكنه يرغب في ربط العديد من الصدقات، بينما يمكن أن يكون فيسبوك أشبه بحفل زفاف تحضره العائلة والأصدقاء. ومازالت قضية الخصوصية اختلافا جوهريا بين الشبكتين العملاقتين. وتبدو الخصوصية أعلى بالنسبة إلى مستخدمي فيسبوك، لكن مستخدمي تويتر يميلون إلى تبني الشعور بأن كل شيء معلن.
ويمنح فيسبوك لمستخدمه أصدقاء في حين يمنح تويتر مستخدمه متابعين. وغالبا ما يحتاج مستخدم فيسبوك إلى موافقة الآخرين للتواصل مع مستخدم آخر، في حين لا يحتاج مستخدم تويتر إلى هذا النوع من الموافقة. وساهمت هذه الإيجابيات، رغم الضغوط التي يعاني منها تويتر في استمراره إلى الآن.
لماذا يظل تويتر على قيد الحياة
تتمثل الخصائص الإيجابية لتويتر في كونه خدمة رائعة للشخص الذي يستخدم هاتفا محمولا بسيطا، وهو الهاتف الذي يتم استخدامه للمكالمات الهاتفية وإرسال الرسائل النصية، وليس بلاك بيري أو أي فون.
ويعتبر تويتر في هذه الظروف مناسبا تماما في معادلة العالم الواسع لشبكات التواصل الاجتمــــاعي.
ويسمح تويتر للمستخدمين بالتفاعل من خلال جهاز الكمبيوتر الخاص بهم أو الهاتف المحمول. لكنه يبدو معقدا بعض الشيء، بعد أن أنتج فيسبوك النسخة المحمولة لموقعه، وهو ما يسمح للمستخدمين بتحديث تدويناتهم على فيسبوك عبر الرسائل النصية.
إذن لماذا يستمر الناس في استخدام تويتر؟ أحد الأسباب هو أن هذه الخدمة لا تبدو أبسط بكثير عند مشاهدة عملية إنشاء الحساب الشخصي. حجم العمل الذي يتطلبه إنشاء حساب فيسبوك أكثر من ذلك الذي يتطلبه تويتر. يمكنك بسهولة إرسال أول تغريداتك في غضون 10 دقائق عبر النقر على "اشترك". يستغرق فيسبوك وقتا أطول لإقامة أصدقاء وتنقية حساب المستخدم ليحظى بالإعجاب.
فيسبوك يمنح مستخدمه أصدقاء يعرفهم أو يمكن أن يعرفهم في المستقبل، في حين يمنح تويتر مستخدمه متابعين
هناك سبب آخر مهم للحفاظ على حساب تويتر هو أن المستخدمين منذ فترة طويلة أصبحوا أكثر تعلقا بشبكات التواصل الاجتماعي. فقد تعودوا على كيفية عمل إحدى الشبكات الاجتماعية وعلى الجماهير التي يتواصلون معها على تلك الشبكة، وتعلقوا بتلك الشبكة بنفس تعلقهم بفريقهم المفضل أو الفرقة الموسيقية المفضلة لديهم.
انحدار تويتر
ولكن سرعان ما أصبح التميز الذي يفاخر به تويتر في البداية وبالا عليه، وهو الأمر الذي أدركه متأخرا، وذلك بعد أن أضحى فيسبوك كالثقب الأسود يجذب إليه كل من يفكر في الانضمام إلى مواقع التواصل الاجتماعي من مستخدمي الإنترنت، والسبب هو أن الأخير شبكة اجتماعية بالفعل، في حين تويتر موقع للتدوين المصغر.
ويقول أحمد الخضر الكاتب المتخصص في شؤون التكنولوجيا "سأفترض أني مستخدم جديد للإنترنت وحُكي لي عن مواقع التواصل الاجتماعي، فأول ما سيخطر ببالي ما هو الموقع الأكثر استخداما؟، ثم سأبحث عن خدمة تتيح لي التواصل مع العائلة والأصدقاء، وعن خدمة توفر لي الكثير من المزايا، من حيث المحتوى الصوتي والمرئي والتفاعل".
وأضاف "هنا يبرز فيسبوك وليس تويتر أنه المكان الذي أجد فيه ضالتي، فعلى الصعيد الشخصي، فإن الغالبية العظمى من عائلتي وأقربائي وأصدقائي تستخدم فيسبوك وليس تويتر".
تويتر خدمة تدوين مصغرة وفيسبوك يتضمن جوانب كثيرة
ولما كانت المنتديات هي الرائجة قبل مواقع التواصل الاجتماعي، ثم ظهرت هذه المواقع، نجح فيسبوك نوعا ما في إعادة تقديم الفكرة بشكل عصري، فضلا عن إمكانية التواصل مع العائلة والأصدقاء فعلا، وتدور الكثير من مزاياه حول هذا المبدأ.
وبعدما انتقل المستخدمون إليه، اجتهد فيسبوك مع الوقت في قراءة سوق مستخدمي الإنترنت الذي يغلب عليه المستخدمون الشباب لجذب هذه الفئة التي تعد الأكثر استخداما للإنترنت والأجهزة الذكية، بل تمكن الموقع من جذب كافة الفئات العمرية.
ومع تصاعد شعبية فيسبوك وتباطؤ شعبيته، اعتقدُ أن تويتر أصبح ينظر للأول على أنه المثال الناجح الذي يجب أن يسير على خطاه. لكن هناك أخطاء لا يمكن لتويتر تجنب السقوط فيها، أبرزها الرغبة في التحول إلى شبكة اجتماعية مع أنه انطلق أصلا كخدمة لمشاركة وتبادل الرسائل النصية القصيرة.
وفي سبيل ذلك، أطلقت شركة تويتر التي يبدو عليها التخبط جليا بعد استقالة رئيسها التنفيذي السابق ديك كوستولو ثم تعيين مؤسسها جاك دروسي رئيسا تنفيذيا دائما بعد أن شغل المنصب مؤقتا عقب استقالة كوستولو، عددا من المزايا التي تجعلها تشبه فيسبوك كثيرا لجذب المستخدمين الجدد، بما في ذلك الاستعاضة عن زر "التفضيل" بزر "الإعجاب".
ويقول الخضر "لكن العقبة الكؤود برأيي هي تقييد المستخدمين بـ140 محرفا كحد أقصى للتغريدات، والعلاقة التي تربط المستخدمين ببعضهم، ويُشاع أن تويتر يدرس إمكانية رفع الحد الأقصى للتغريدات".
وبعد أن أدرك تويتر أن تقييد المستخدمين يشكل عائقا أمام تقدمه، فمن المحتمل أن يكون القرار المرتقب مصيريا على مستقبل الشركة، إذ سيترتب عليه تغيير شكل تويتر الذي نعرفه حاليا بطريقة جذرية.