رغم تطمينات الرياض بألا تنعكس أزمتها الدبلوماسية مع طهران على عملية السلام في اليمن إلا أن تطورات الميدان تشير إلى أن العمل العسكري يتقدم على حساب آمال تشكلت حول المحادثات الأخيرة.
السعودية التي حصلت على تأييد دولي بعد اقتحام سفارتها في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد، باعتبار ذلك إخلالا بمسؤولية الحكومة الإيرانية في حماية البعثات الدبلوماسية، صعدت من الغارات التي تشنها على مواقع قوات الرئيس اليمني السابق والحوثيين بشكل كبير، خصوصا في صنعاء ومحيطها، بعد ان أعلنت إنهاء الهدنة الهشة التي رافقت محادثات السلام، وكان ينتظر ان تواكب التحضيرات لجولة المباحثات القادمة.
عشرات الغارات تشنها مقاتلات التحالف العربي الذي تقوده السعودية على صنعاء وتعز وصعده وحجة والبيضاء، فيما تواصل قوات الرئيس السابق والحوثيين إطلاق الصواريخ البالستية نحو الاراضي السعودية بصورة غير مسبوقة منذ بدء عمليات عاصفة الحزم نهاية شهر مارس/آذار من العام الماضي، كما شهدت جبهات القتال في غرب وشرق تعز مواجهات عنيفة تمكنت خلالها قوات الرئيس السابق والحوثيين من التقدم نحو محافظة لحج الجنوبية وفي أطراف محافظة مأرب، كما تمكن صالح والحوثيون من صد تقدم للقوات التابعة للحكومة اليمنية في منفذ حرض الحدودي في محافظة حجة.
الرياض ووسط تضامن عربي واسع مع خطوتها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران أصبحت تتزعم محور الصراع الإقليمي على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط عامة وفي منطقة الجزيرة العربية تحديدا، وهي اليوم اكثر عزيمة على تحقيق انتصار واضح في اليمن، ورغم معرفتها المسبقة بالكلفة الباهظة لاستمرار القتال الا انها اتجهت نحو تدريب وتأهيل الآلاف من الجنود الموالين للحكومة في تعز ومأرب وحجة استعداد لمعركة صنعاء التي تبدو بعيدة وطويلة.
ولان الموعد المتفق عليه للجولة القادمة من محادثات السلام سيحل منتصف الشهر الجاري فان الخلاف حول مكان انعقادها وسط التصعيد العسكري والتجاذب الإقليمي بين الرياض وطهران جعل إمكانية انعقاد هذه الجولة في الموعد المحدد محل شك ، وهي تواجه مخاطر الفشل في حال عقدت وسط هذه الأجواء الملبدة بالتهديدات والتصريحات النارية ، والتي سبقها تهديد الرئيس اليمني السابق بعدم الذهاب الى المحادثات الا اذا كانت السعودية طرفا فيها.
اليمنيون الذين دخلوا العام الجديد على أمل ان يكون مختلفا عن سابقه، وبعد الدمار الذي طال كل شيء، تراجعت احلامهم في قرب احلال السلام، على وقع الانفجارات الضخمة والجنائز المتواصلة للضحايا الذين يسقطون نتيجة الغارات او نتيجة القتال في مختلف الجبهات.
يدرك المجتمع الدولي خطورة التصعيد الحاصل في العلاقات بين طهران والرياض وانعكاسات ذلك على الصراع في اليمن ودوّل الشرق الأوسط، ولهذا اتجه نحو المطالبة بالتهدئة ودعم خيارات السلام. وتتحرك عواصم الدول الكبرى لاحتواء هذا التصعيد والضغط نحو استكمال مسيرة السلام في اليمن، لأنها تدرك ان لا أحد من طرفي الصراع يمتلك القدرة على الحسم العسكري ويعي جيدا حجم المأساة الانسانية التي أنتجتها الحرب، وخطورة استمرارها .
لكن نجاح هذه الضغوط لن تتضح قبل ان يجلس الفرقاء مجددا إلى طاولة المباحثات وعند الشروع في اتخاذ إجراءات بناء الثقة التي اتفق بشأنها في ختام محادثات سويسرا الشهر الماضي، وبالذات افراج الحوثيين وصالح عن وزير الدفاع والمعتقلين، وفتح ممرات أمنه لوصول المواد الغذائية والطبية الى المدنيين المحاصرين في تعز.