غزة-صفاء عاشور
بدأت حملات المقاطعة للبضائع الإسرائيلية تترك تأثيرًا لا يمكن إنكاره، فالقائمون عليها أصبحوا أكثر خبرة ودراية بالجهات التي يجب أن يتوجهوا لها، كما أصبحوا أكثر علمًا بأساليب مخاطبة الدول التي يتوجهون إليها.
حملات المقاطعة الإسرائيلية دفعت (إسرائيل) خلال العام الماضي, إلى تشكيل هيئة خاصة لمتابعة هذا الملف وتأثيره عليها اقتصاديًا وسياسيًا، كما دفعتها إلى البحث عن أسواق جديدة خوفًا من الأسواق التي متوقع أن تخسرها في الأعوام القادمة.
منسق اللجنة الوطنية لمقاطعة (إسرائيلBDS ( في غزة، عبد الرحمن أبو نحل، أكد أن حركة المقاطعة التي تقودها اللجنة الوطنية الفلسطينية (BNC) نجحت في تحقيق العديد من الإنجازات ضد دولة الاحتلال خلال العام الماضي, على جميع الصعد الاقتصادية والعسكرية والأكاديمية والثقافية والنقابية والعمالية.
وقال لصحيفة "فلسطين": "أبرز هذه الإنجازات كان انسحاب شركة فيوليا الفرنسية للبنى التحتية من كل مشاريعها مع دولة الاحتلال، وآخرها القطار الخفيف في القدس المحتلة وذلك بعد حملة المقاطعة التي استمرت ضدها لمدة 7 سنوات حول العالم".
وأضاف أبو نحل: "هذه الحملات سببت لها خسارة عقود ومشاريع فاقت قيمتها الـ20 مليار دولار"، لافتًا إلى أن تقرير للأمم المتحدة أشار إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر في (إسرائيل) انخفض خلال عام 2014 بنسبة 46% مقارنة بعام 2013.
وبين أن التقرير الأممي أرجع هذا الانخفاض للعدوان الإسرائيلي على غزة وحركة المقاطعة BDS، مشيرًا إلى أن دراسة للبنك الدولي أثبتت أن الصادرات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة قد انخفضت بنسبة 24% في الربع الأول من عام 2015 مقارنة مع نفس الفترة من عام 2014؛ وذلك بسبب حملات المقاطعة التي تصاعدت وتيرتها في العامين الماضيين.
وأضاف أبو نحل: "على صعيد المقاطعة الأكاديمية والثقافية؛ فقد تعهد أكثر من ألف فنان في إيرلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وبلجيكا بدعم المقاطعة الثقافية لـ(إسرائيل), كما استجاب كل من الفنانة الأمريكية الشهيرة لورين هيل والفنان ثيرستن مور لنداء حملة المقاطعة بعدم الغناء في (إسرائيل)".
وأوضح أن هناك تزايدًا في عدد الجمعيات الأكاديمية الكبرى المؤيدة للمقاطعة، حيث تبنى المؤتمر العام لجمعية الأنتروبولوجيا الأمريكية قرارًا بدعم حركة المقاطعة BDS وهي أكبر جمعية أكاديمية، كما صوتت الجمعية الوطنية الأمريكية للدراسات النسوية لصالح دعم حركة المقاطعة BDS.
ولفت إلى أن أكثر من 500 أكاديمي في المملكة المتحدة و450 أكاديميًا بلجيكيًا و1.600 أكاديمي إسباني وأكثر 200 أكاديمي جنوب أفريقي, وقّعوا على بيانات تؤكد دعمهم والتزامهم بنداء المقاطعة الأكاديمية لـ(إسرائيل) الذي أطلقه المثقفون والأكاديميون الفلسطينيين عام 2014.
وعلى صعيد الحركة العمالية، أوضح أبو نحل أن منظمة العمل العربية أيدت حركة المقاطعة BDS بالإضافة إلى نقابة عمال الكهرباء والإذاعة والآلات في الولايات المتحدة، ونقابات عمال الولايات المتحدة فرع ولاية كونتكت، كما قام اتحاد نقابات العمال الكندية في ولاية كويبك بتأييد حركة المقاطعة ودعم مطلب فرض حظر عسكري على (إسرائيل).
وحول تأثير هذه الحملات على (إسرائيل)، أكد أبو نحل أن حركة مقاطعة (إسرائيل) وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) هي إحدى أبرز وسائل المقاومة الشعبية ضد الاحتلال والاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي وأبرز أسلوب للتضامن مع الشعب الفلسطيني في نضاله نحو الحرية والعدالة والمساواة.
وقال: إن "(إسرائيل) ينتابها الذعر من تنامي حركة المقاطعة وتشعر بتزايد عزلتها حول العالم, ومن هنا أتى تصريح نتنياهو أن حركة المقاطعة تشكل "تهديدا استراتيجيا لـ(إسرائيل)"، لافتًا إلى أن حكومة الاحتلال أنفقت أكثر من 100 مليون شيكل من أجل الدعاية لمحاربة المقاطعة بلا جدوى حتى وصل الأمر بعضو الكنيست مايكل أورن للمطالبة بما أسماه "قبة حديدية لمواجهة حركة المقاطعة BDS".
وأشار أبو نحل إلى أنه خلال أبريل الماضي, انطلقت الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة (إسرائيل) بتحالف واسع ضم أكثر من 11 حزبا سياسيا وأربع حركات ثورية وست اتحادات وست حركات طلابية وعدد كبير من النشطاء.
ونوه إلى أنه تم إطلاق حملة لمقاطعة شركة "موبينيل" المملوكة لشركة أورانج الفرنسية؛ بسبب تورطها عبر شريكها الإسرائيلي "بارتنر" في جرائم الاحتلال الإسرائيلي, وعملها في المستعمرات, وبالفعل رضخت الشركة الفرنسية وأعلنت مؤخرًا نيتها الانسحاب الشهر الحالي، كما أعلنت إنهاء الشراكة مع "بارتنر" الإسرائيلية بعد حملة استمرت لسنوات ضدها في فرنسا وتونس ومصر والمغرب.
تأثير ملحوظ
وأكد المحلل الاقتصادي د.نصر عبد الكريم, أنه لا يمكن لأحد أن يقلل من شأن حملات المقاطعة الاقتصادية التي تقوم بها أطراف عدة محليًا أو دوليًا، مشددًا على أنها تحمل رسالة أخلاقية ووطنية ويجب أن تصبح نهجا وثقافة يسير عليها جميع المناصرين للقضية الفلسطينية.
وأوضح لصحيفة "فلسطين" أن حملات المقاطعة التي يمكن أن تترك تأثيرًا على الكيان الإسرائيلي هي تلك الحملات الموجهة للدول الأوروبية والتي تعتبر سوقًا كبيرًا للسلع والبضائع الإسرائيلية.
وبين عبد الكريم أن حملات المقاطعة في الدول الأوروبية هي التي لها أثر اقتصادي على (إسرائيل) ولا يمكن التقليل منها، لافتًا إلى أن وصول المقاطعة للجمهور الأوروبي أصبح يقلق (إسرائيل).
وأشار إلى أن هذا القلق ترجمته (إسرائيل) عبر تشكيل هيئة خاصة لمتابعة هذه الحملات والتخفيف من تداعياتها، خاصة أن 30% من صادرات (إسرائيل) هي للأسواق الأوروبية، منوهًا إلى أن (تل أبيب) تنظر إلى ما بعد حملات المقاطعة ومدى تأثيرها الاقتصادي والسياسي.
وقال عبد الكريم: إن "(إسرائيل) تتطلع لبعد آخر غير الاقتصادي، فهي متخوفة من حدوث مواقف معادية لها تبدأ من المقاطعة الاقتصادية ثم تمتد للوقوف بجانب فلسطين من ناحية قانونية وسياسية".
ولفت إلى أن (إسرائيل) بدأت بالبحث عن أسواق بديلة عن الأسواق التي ترفض شراء منتجاتها مثل الأسواق الاقتصادية الناشئة كالهند، إندونيسيا، البرازيل واليابان وغيرها من الدول التي تعتمد على كثافة سكانية كبيرة.
وحول تأثير حملات المقاطعة المحلية، أكد عبد الكريم أن ملف المقاطعة المحلية مفتوح منذ سنوات وفيه حملات متعددة أحيانًا تنشط بفعل بعض الأحداث السياسية والعسكرية، وأحيانًا أخرى تضعف أو تنتهي.
واستدرك: "ولكن لا يجب المبالغة حول تأثير هذه الحملات المحلية اقتصاديًا على الجانب الإسرائيلي؛ لأن مجمل صادرات (إسرائيل) لأراضي السلطة الفلسطينية لا تتعدى مليار دولار من حجم الصادرات الإسرائيلية للخارج التي تبلغ 60 مليارات دولار".
فلسطين