إذا ما تم مقارنة فترة الجاهلية بالزمن العربي المعاصر، سنجد بأنه في عصر الجاهلية كانت هناك ثقافة منتجة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، ما أدى الى ولادة الحروب الثقافية، بالتالي أدى الى تطوير الثقافة ذاتها عن طريق ليس فقط استيراد وتصدير البضائع "رحلة الشتاء والصيف" وإنما ما تحمله التجارة ذاتها من أفكار وأساليب؛ ففي ذلك الزمان والمكان لم يكن هناك مصدر واحد لأي ثقافة كانت، أما اليوم تريدنا السلطة الدينية والسياسية أن نتموضع على ذاتنا بذاتنا من أجل الحفاظ على ذواتهم، وأن نقبع في كهوف ثابتة بفترة زمنية أطول من أهل الكهف، وأكثر من ذلك حتى يريدونا أن نكون ذاتهم فكراً ومضموناً وحتى شكلاً.
الحاضر أصبح مجهولاً أكثر من الماضي الذي لم نكن به، وربما يبرز هنا سؤال: هل الحاضر تعبير عن الماضي؟ إذن ما هو التقدم الفكري؟ وكيف علينا تقديم نظرة مختصرة عن حياة الماضي بالحاضر اذا ما كان الحاضر ميتاً والماضي حيا ومستمرا في إنتاج قراءات مختلفة لكتب التاريخ المتنوعة وكل حسب روايته التاريخية؟!
هل نستطيع أن نبني دولة حديثة بمعزل عن التعددية الثقافية؟ بالتأكيد الإجابة بالنفي القاطع. لهذا على المجتمع ذاته تقبل الثقافات والتجمعات والجماعات المتعددة والمتنوعة، فالغاية الأساسية من التعددية الثقافية هي منح مواطنة كاملة غير منقوصة وخصوصاً لمن هم من ثقافات مختلفة، لهذا يعاني العرب في زماننا من عدم مقدرتهم المحافظة على الثقافات والاختلافات بكافة أشكالها، بل على العكس تماماً تتم محاربة أي محاولة في إنتاج الثقافة ليس من أجل تطبيق الشرائع السماوية بقدر ما هو من أجل الحفاظ على ذاتهم الحاكمة. وعلى سبيل المثال وليس الحصر جميعنا شاهد تحطيم المتاحف والآثار في عدد من الدول العربية!!
أصبحت كل دولة تعرّف الفضاء الثقافي لها بما يتلاءم مع الموروث التاريخي الذي يخدم مصالحها أولاً وأخيراً؛ وفي الحالة العربية بما يتلاءم أيضاً في الحفاظ على مصالح الحاكم. إذا يتم توجيه كل أدوات ومكنونات الثقافة بما ينفذ سياسة التمجيد وتقديم الولاء والطاعة، والخارج عن هذه الحالة هو بالتأكيد لم يغضب فقط الزعيم وإنما أغضب الله وقام بازدراء الأديان وقذف المحصنات وأصاب الشخصيات التي يجب عدم التفكير حتى ولو بالهمس أن يتحدث عنهم بالسوء.
أصبحت المجتمعات العربية تُذبح ضمن مفاهيم متعددة للدين، كما كانت بل وأسوأ زمن حكم الكنيسة وتدخلها في كافة شؤون الحياة، ما أدى الى الثورة عليها وفصلها عن الحكم والسياسة، ما يحدث الآن هو أسوأ من ذلك، بحيث يقومون بتشويه الدين الإسلامي بذريعة الحفاظ عليه.