بقلم:نبيل دويكات
عشية التحضيرات لمناسبة الثامن من آذار، يوم المرأة العالمي زخرت مفكرات الكثير من الهيئات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وعلى مختلف المستويات بسلسلة لا تكاد تنتهي من مواعيد الإجتماعات واللقاءات، التي تمحورت بالأساس على فكرة التحضيرات لإحياء مناسبة الثامن من آذار. وعلى هامش هذه الإجتماعات ترددت عشرات المرات عناوين التي تتضمن في طياتها مقترحات لنشاطات وفعاليات مختلفة بهذه المناسبة. ومع إقتراب المناسبة تتكثف سلاسل الإجتماعات واللقاءات، وتتبلور في هذا الأفق منظمومة من المفاهيم والمصطلحات مثل: تعزيز المشاركة السياسية للنساء، محاربة العنف ضد المرأة، مكافحة التمييز ضد النساء، التمكين الإقتصادي، إنتهاك حقوق النساء، حقوق النساء، قانون العقوبات، قانون الأحوال الشخصية، قانون حماية الاسرة من العنف، التزويج المبكر، مناصرة قضايا المرأة، الحملات الاعلامية ... الخ والقائمة طويلة وممتدة حتى يوم الثامن من آذار ناهيك عن اتفاقية "سيداو" والقرار الاممي (1325) التي تربعت على عرش المفكرات لهذا العام.
وهكذا سرعان ما تتبلور بطريقة أو بأخرى، على الورق، وعلى أرض الواقع الفعاليات، ولا تلبث أن تبدأ في شكل يشبه "السباق" والتنافس للإعلان عن إنطلاق الفعاليات بهذه المناسبة. عطلة مدفوعة الأجر، مهرجانات، عرائض، خطابات وبيانات واحتفالات وتكريم وتوزيع زهور وحلويات على النساء العاملات وربات البيوت وغيرها الكثير.
يحدث هذا في وطننا، وهذا ما يدعو الى الفخر والتفاؤل بأن هناك تفهّم وتقبّل كبير ومتزايد لفكرة "مساواة المرأة والرجل" في هذا المجتمع، وأن هذه المساواة تتقدم على قدم وساق، وتسير الى الأمام في كل مجالات الحياة، وتتحقق وتتراكم المزيد من الإنجازات، واننا نسير على الطريق الصحيح في هذا المجال. حمدت الله كثيرا على هذا التقدم والتطور الذي نعيشة، وعلى أنني أعيش في هذا البلد الآمن الذي ينعم أفراده وجماعاته بالأمان والإطمئنان. حمدت الله مرة أخرى حين قرأت لاحقاً عما يحصل في بلاد "الواق واق"، وخاصة في موضوع له علاقة بحقوق النساء في تلك البلاد.
ومن جملة ما سمعته عن بلاد "الواق واق" القصة التي حدثت لإحدى الفتيات مؤخراً. كانت الفتاة تعيش في اسرتها حياة هادئة وعادية، وتحلم، شأنها شأن أي إنسان آخر، أو أية فتاة أخرى،في بداية حياتها بأن تعيش وتتعلم وتحقق لنفسها وأسرتها مستقبلاً حالماً وزاهراً، مليئاً بالسعادة والهناء. شاءت الأقدار لهذه الفتاة أن تمتلك آذاناً وعيوناً كباقي البشر، وشاءت الأقدار أيضاً لهذه الفتاة أن تعلم عن بعض الأمور والقضايا الخاصة بأشخاص آخرين دون تعمد أو قصد أو تخطيط، وحدها الصدف التي قادتها الى هذه المعرفة والعلم. لكن لم تكن الصدفة هي التي قادت الفتاة الى حتفها نتيجة هذه المعرفة. فالمعرفة في الكثير من المجمعات تساهم في تطوير وعي الإنسان ومداركه، وتسهم في تطوير وصقل شخصيته. أما في بلاد "الواق واق" فان هذه القاعدة لا تفعل فعلها. بل هناك العديد من القواعد والعادات والتقاليد التي تشير الى أن الإنسان قد يصبح خطراً إذا حصل على المعلومات والمعرفة، حتى بدون قصد، وخاصة اذا كانت هذه المعلومات تتعلق بالخطر النووي الذي يهدد كيان ذلك المجتمع، والذي أصبح يعرف في بلاد "الواق واق" باسم "شرف العائلة". أما شرف العائلة في تلك البلاد فإنه يعني: إذا أقامت إحدى الفتيات علاقة خارج إطار الزواج، ولو حتى بالشبهة، أو سمعت عن علاقة أخرى لأشخاص آخرين سواء بعيدن عنها أو قريبين، او تم الإعتداء عليها بأي شكل، أو تعرضت، بشكل مقصود أو غير مقصود، لتشويه سلوكها أو غيره، والقائمة طويلة هنا. في كل ذلك فأنها ستقع في دائرة المحظورات والممنوعات التي تقترب من مفاتيح الخطر "النووي" الذي سيدمر المجتمع.
لكل ذلك فإن العلاج الأسهل والأسرع في بلاد "الواق واق"هو "قلع السن ووجعه" مرة واحدة الى الأبد، وهو قتل الفتاة، بأي طريقة أو شكل يراه الفاعل مناسباً، ذلك بالنسبة للمجتمع الحل الأسهل والأقل خطرا من أي إنفجار "نووي" قد يهدد كيانه وتماسكه ووحدته. وعلمت بالصدفة عن هذه القصة، حيث عادة تنتهي القصة بالقتل، ومهما قُتل من الفتيات في تلك البلاد فإنها تنتهي بصورة أو بأخرى عند حادثة القتل، "ودون أية مضاعفات أخرى"، وتستمر عجلة حياة المجتمع بالدوران بصورة طبيعية. أما كيف علمت عن قصة تلك الفتاة في تلك البلاد فإنها مجرد صدفة لا أكثر ولا أقل. وحتى لو كان هناك تشابهه بين قصة هذه الفتاة مع قصص فتيات أخريات من بلاد أخرى في أية تفاصيل فإن ذلك لمجرد الصدفة أيضاً.
وبالمناسبة، وحدها الصدفة فقط هي التي قادتني للكتابة حول هذا الموضوع، أما في الواقع فإنني، مثل بائعي الزهور، أشكر الله على أنه خلال الشهر المتبقي حتى مناسبة الثامن من آذار فإن "زهراتنا" ستكبر شهراً إضافياً، أما زهورنا وورودنا فهي بإنتظار موسم القطاف، وأتمنى للجميع زهوراً جميلة، وكل عام والجميع بألف خير.
نبيل دويكات