إن الاكتئاب يتمثل في شعور بالضعف واليأس وإحساس بالإنهاك بسبب العجز عن القيام بأي شيء إلى جانب فقدان الإحساس بالسعادة ، وتبعاً لذلك ، فإن بيولوجية الاكتئاب مختلفة فضلاً عن أن هذا الاضطراب يتطلب طرقاً علاجية مختلفة أيضاً ، ولكن يمكن ربطه بالضغط النفسي سيما وأن هناك أدلة كثيرة تشير إلى هذه العلاقة فالضغط النفسي يستتبع الشعور بفقدان السيطرة والقدرة على التوقع ، وأن الأحداث الرئيسية المسببة للضغط النفسي ، تسبق نوبات الاكتئاب في المراحل المبكرة من المرض (شحود،2003)
إن المكتئب عادة ما يميل إلى أن يرى الجوانب السلبية في حياته ويضخمها ولا يستطيع أن يدرك ما فيها من جوانب مشرقة ، هذا بالإضافة إلى أن كثيراً من الإكلينيكيين يلحظون سعي المكتئب المستمر من أجل البحث عن المشكلات والغوص فيها بل وخلقها أحياناً وكأنه يريد مبرراً لشكواه المستمرة ، … ومما لا شك فيه أن ضغوط الحياة اليومية تمثل متغيراً مهماً في ظهور أعراض الاكتئاب . وهذا ما يفسر لنا شيوع الاكتئاب في حياتنا العصرية ذات الإيقاع السريع والتغير المستمر والتقلبات الحياتية الضاغطة والصراع المتواصل مع الظروف الصعبة التي تتطلب قدراً كبيراً من التحمل النفسي .(الزيادي ، 1987 )
وقد أفاد معظم المهنيين الذين يعانون من الاحتراق النفسي بأنهم يعانون من القلق المرتبط بالاستنفاد الانفعالي والاكتئاب ،والإحباط ، وترتبط الأعراض السلوكية عادة بسلوكيات العمل مثل ترك المهنة ، وضعف الأداء والعادات السيئة الضارة والمهلكة والتي تشمل معاقرة المسكرات وتعاطي المخدرات.(البتال،2000(
وقد وجد أن أسوأ الضغوط وأكثرها ارتباطاً بالتوتر والاضطراب النفسي هي تلك التي تحدث للفرد المنعزل ، والذي يفتقد المساندة الاجتماعية والصلات ، والدعم الاجتماعي ، والمؤازرة.(إبراهيم ، 1998(
يشير الكاتب إلى أنه ليس بالمستغرب أن يتعرض الموظف الذي لا يملك قدرة على مواجهة التوتر في حياته والعمل على التخلص منه ، لاستنزاف طاقته والشعور بالإرهاق والتعب ، وتتأثر عواطفه سلباً بالأحداث التي تحدث له . ويبقى معرضاً للإصابة بالأمراض ، خاصة أن هذا العصر بكل ما فيه من تقدم علمي وانفجار معرفي يقود إلى ظهور التحديات والصعوبات مما تجعله فريسة الأمراض النفسية من اكتئاب وقلق ، لذا فإن المحصلة النهائية للاحتراق النفسي تؤدي إلى جملة من الأمراض ذات العلاقة الوثيقة بالاضطرابات النفسية ، تعرف بالأمراض النفسجسدية التي تكون في بدايتها نفسية المنشأ ، ثم تتحول بعد تفاقم الإصابة إلى أمراض جسدية كالقلب، وضغط الدم ، والسكري ، وقرحة المعدة …الخ .
ومن حيث العلاقات الاجتماعية للموظف وتواصله مع الآخرين ، فينزع ( الموظفون) إلى الانعزال عن (زملائهم ) من خلال نمطية التعامل معهم ، وتصنيفهم تصنيفاً يقوم على الانطباع الشخصي ، لا على أسس موضوعية ، ومعاملتهم بطريقة غير إنسانية ، وتشير الأعراض المتعلقة بالقناعات والمواقف إلى النظرة السلبية تجاه ( الزملاء ) والمهنة والقناعات الشخصية ، وتجاه الحياة بشكل عام ، ونتيجة لذلك يصبحون على قدر من التشاؤم واليأس وعدم التحمل ، وبالتالي يبدأ( الموظف ) في مقاومة النواحي الإيجابية المتعلقة بالعمل. (البتال،2000 (
وتتمثل إحدى الطرق التي يتسبب فيها الضغط النفسي بالإصابة بالاكتئاب ، في التأثير في المزاج وسلسلة تفاعلات المتعة في الدماغ ، التعرض المطول لهرمونات الجلوكو كوتكويد يستنزف مستويات النوريبنيفيرين في عصبونات المنطقة الزرقاء ، وهذا يعني أن الشخص يصبح أقل انتباهاً وأقل يقظة وأقل نشاطاً تمهيداً للإصابة بالتراجع الحركي النفسي .(شحود،2003(
ويؤدي الاحتراق النفسي في معظم الأحيان إلى العزلة والانغلاق على النفس والانسحاب من مسرح التفاعل مع زملاء المهنة ، مما يؤثر على مستوى التواصل الاجتماعي ، والذي يؤثر بدوره على العمل بشكل عام (Cherniss,1995) (في البتال،2000(
يجمل الكاتب أن المتأمل في الموظف الذي يصاب بمرض الاكتئاب النفسي يجده يعاني في بداية الأمر من مواقف التوتر والضغط في مهنته ، فإذا لم يحسن التعامل معها والتخلص منها ، تحولت فيما بعد إلى الاحتراق النفسي الذي ينهكه ويستنزف طاقته وقدراته ، ويشعره بالتعب والإجهاد والسلبية في المشاعر والعواطف ، وتدني في تحقيق الإنجاز والتفوق في مجال العمل . حيث إن هذه الأعراض الانفعالية والسلوكية تؤدي بالموظف إلى الانزواء والرغبة في ترك العمل، خصوصاً عندما يفتقد إلى المساندة الوجدانية والدعم الاجتماعي الذي يحتاج إليه لكي يحقق الأهداف العليا لأداء مهمته ورسالته. لذا فإذا كانت ضغوط الحياة تسهم في ظهور أعراض الاكتئاب ، فمن المنطقي أن الاحتراق النفسي يظهره بشكل أكبر وأوضح . إن كثيراً من الدلائل تشير إلى أن هناك علاقة ارتباطيه موجبة بين الاحتراق النفسي والاكتئاب ، نظراً لأن أعراض الاكتئاب لها علاقة بضعف القدرة والطاقة لدى الموظف وكراهية المهنة والحرص على تركها والابتعاد عن متاعب المهنة ومنغصاتها ومشكلاتها .دمتم سالمين
د. أكرم عثمان
مستشار ومدرب دولي في التنمية البشرية