بقلم الصحفية آمنة بلالو
هل ستمر الذكرى السّنويّة لوقوع الانقسام المدمر من دون اهتمام يذكر من القوى والشعب؟؟؟؟ حيث لم يلتفت أحد بشكل جدي إلى ما نقصد بانقسام اليوم، ما يعكس أن هناك غلبة لنوع من التعايش معه، خصوصًا أن بذور الانقسام نثرت منذ فترة طويلة، وتحديدًا منذ توقيع اتفاق أوسلو هذا التعايش ناجم عن عدة أسباب، أبرزها إدراك صعوبة التخلص من الانقسام وأن هناك أفرادًا وشرائح ازدادت نفوذًا وثروةً بوجوده وتريد استمراره حتى تحافظ على ما حققته ومضاعفته، وأن طرفي الانقسام ومعظم القوى يفضلونه على الوحدة التي قد تجعلهم يخسرون ما لديهم وأن قطاعات شعبية تخشى من أن تؤدي الوحدة إلى تعميم الحصار والمقاطعة، بحيث تشمل الضفة الغربية إضافة إلى قطاع غزة، أو إلى عودة الاقتتال الداخلي والفلتان الأمني والفوضى التي كانت سائدة قبل وقوع الانقسام لربما ان يكون هناك إحباطًا ويأسًا ناجمًا عن أسباب كثيرة تتمثل في تردي الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي وجود أطراف خارجية عربية وإقليمية ودولية وعلى رأسها إسرائيل التي لا تريد إنهاء الانقسام الفلسطيني إلا إذا جاء وفق شروطها وبما يحقق مصالحها وكل ذلك على حساب معانات الشعب الفلسطيني الذي يقدم الغالي بروحه وارضه مقابل صمت مجحف من شعوب عربية لا تحرك ساكنا.
إن القضية الفلسطينية بالرغم من تهميشها في ظل الانقسام وانشغال العرب بما يجري من تغييرات وثورات وفتن داخلية ومؤامرات خارجية خصوصًا في سوريا ومصر وإيران إلا أنها لا تزال مهمة وتستقطب شتى أنواع التدخلات الرامية إلى توظيفها لصالح الأطراف والمحاور المختلفة فإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة لن يتحولا إلى مطلب شعبي ضاغط بشدة على الأطراف المتنازعة والمستفيدة من وقوع الانقسام واستمراره، إلا إذا وُضِع في سياق مختلف عن السياق الذي وضعت فيه المصالحة والجهود الرامية إلى تحقيقها.
إن القواعد التي حكمت الحوار الرسمي لن تؤدي إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية مثلا اقتصار الحوار على طرفي الانقسام وليس جعله حوارًا جماعيًا، ولا أقصد هنا المطالبة بمشاركة جميع الفصائل والأحزاب فقط فيه، وإنما بمشاركة مختلف مكونات وقوى وفعاليات وتجمعات الشعب الفلسطيني مع تمثيل مناسب، خصوصًا للمرأة والشتات والشباب وايضا الاطفال لانهم عماد المجتمع ككل لذلك.
استمرار الحوار في استبعاد معظم القضايا الجوهرية، وخصوصًا بلورة الإستراتيجيات الجديدة القادرة على مجابهة المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية والقادرة على الحفاظ على الصمود وما لدينا من مكاسب من دون تنازلات جديدة، بعد التنازلات التي قدمنها قبل وبعد اتفاقية أوسلو والسعي لاستعادة ما خسرناه بعد مسلسل التنازلات المستمر وإحباط المخططات المعادية للعمل على ايجاد ميزان القوى القادر على إنجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية لذلك ارى من وجهة نظري لا يتم إحياء ملف المصالحة الا إذا جاءت بما يخدم الجهود لاستئناف المفاوضات، وتجميدها إذا جاءت بما يضر هذه الجهود وهذا يعني أن المصالحة لن تكون إلا إذا جاءت على أساس استمرار الفلسطينيين في المسيرة التفاوضية التي أوصلتهم إلى الكارثة التي يعيشونها بعد اتفاق أوسلو، لكي تكرس استسلام الفلسطينيين من خلال تعميم موافقتهم على شروط اللجنة الرباعية الدولية المجحفة التي تبنت الشروط الإسرائيلية وجعلتها جسرًا لا بد للمصالحة من أن تمر عبره حتى تحظى بالموافقة الدولية.
لذلك لا بد ايضا من التركيز على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وايضا الشبابية واشراك الشباب في المجتمع على أساس أنها المدخل الوحيد لإنهاء الانقسام، من اجل ان يكون هناك توافق وطني مشترك لمواجهة الاحتلال والتخلص منه ستكون هذه لربما ستكون قفزة في المجهول لكن إن ما يزيد الطين بلة أن طرفي الانقسام أصبحا يتفقان على إدارة الانقسام والتعايش معه، كما يظهر باتفاقهما على جداول زمنية لا تطبق، ما يعكس نوعًا من التسليم من كل طرف بصعوبة التخلص من الطرف الآخر، وأدى إلى تواطؤ متبادل وعملية لشراء الوقت يشارك فيها الطرفين.
فطرف يراهن على استئناف المفاوضات وما يمكن أن تؤدي إليه من تحسين ظروفه وقوته الفئوية، وبما يسمح له بالحفاظ على قيادته للمنظمة والسلطة، والتوجه إلى المصالحة إذا مكنته من استمرار وضعه القيادي، أو التوجه إلى إجراء انتخابات بمن حضر إذا أعتقد بفوزه فيها، ولو من دون مشاركة احد الاطراف الاخرى والطرف الآخر يراهن على المتغيرات العربية وما شهدته من الصعود للإسلام السياسي لعل هذا يفتح له طريق الاعتراف والشرعية العربية والدولية، والتقدم على طريق قيادة المنظمة والسلطة، وبما يجعله يحتفظ بسيطرته على قطاع غزة، والتقدم إلى المصالحة إذا توفر وضع أفضل، بحيث لا يخشى عندها من إجراء الانتخابات مع أو من دون توافق وطني فبتالي سيتحول إلى انفصال يصعب تغييره والى اجل غير مسمى إن الشعب الفلسطيني قادر على فرض إرادته على الأطراف المتنازعة وإنهاء الانقسام إذا شعر بأن هناك ما يستحق الكفاح والتضحية من أجله أكثر من اتفاق بين "فتح" و"حماس" على توزيع المناصب والوظائف والمكاسب والحصص، وأن هناك أملًا حقيقيًا بالانتصار على الاحتلال، وهذا الأمر يحتاج إلى إجراء مراجعة عميقة وجريئة للتجارب السابقة، واستخلاص الدروس والعبر، وبلورة إستراتيجيّات جديدة قادرة على الصمود والانتصار ونقلنا من الوضع الذي نحن فيه إلى الوضع الذي نطمح أن نصل إليه.
وإلى أن يتحقق هذا الهدف يبقى الوضع على ما هو عليه في ظل استمرار تعميق الاحتلال، وتوسيع الاستيطان، واستكمال تهويد القدس ولفها بجدار ليس له نهاية، والحصار المستمر على الضفة وقطاع غزة، وتقطيع الأوصال الفلسطينية، وتهميش القضية من خلال نشر الأوهام عن سلام قادم قريب، والوقوع إلى الأبد في دوامة البحث عن استئناف المفاوضات التي تستهدف إلهاء الفلسطينيين بها مقابل رزمة مشاريع ومساعدات جديدة ليست أكثر من رشوة بخسة، لا تقارن بالثمن الباهظ الذي يدفعونه مقابل استمرارهم مقيدين بقيود أوسلو الغليظة مقابل الرهان على عملية السلام التي لم تؤدي ِ إلى السلام، وإنما إلى استمرار الاحتلال بوصفه احتلالًا رابحًا، احتلال لفندق خمس نجوم كل ذلك على حساب اجساد بريئة وامهات ثكلى لم تسهى عيونهم للحظة وهبة شعبية انطلقت في لحظة وجيزة دفع خلالها الفلسطينيون ابناءهم ومنازلهم فداء للوطن على سياج شروط اوسلو الذي يبقى الى اجل غير مسمى؟؟؟؟؟