بقلم الأسير ( أ. باجس يونس عمرو )
الخليل .. الرابعة فجراً مجموعة من الأهالي ينتظرون في المكان نساء ً ورجالا ً , كباراً وصغارا ً , أصحاء ومرضى برفقتهم , ينتظرون قدوم الحافلات لكن إلى أين ذاهبون في هذا الجو البارد ؟ هل للإستمتاع إم لرحلة استجمام وربما ذاهبون إلى مدينة أريحا للاستمتاع بمناخها الدافئ في فصل الشتاء , نعم إنها رحلة , فهؤلاء الناس الذين ينتظرون الحافلات هم مسافرون ولكنها من نوع آخر إنها ( رحلة العذاب ) .
يُسمح لأهالي الأسرى الفلسطينين في سجون الإحتلال بزيارة أبناءهم مرة واحدة كل شهر ٍ وتمتد الزيارة لمدة هي ( 45 دقيقة ) تمر كأنها حلم ولكن الأمر ليس بهذه البساطة فهناك العديد من الخطوات و المراحل التي على هؤلاء أن يجتازوها لكي يحصلوا على تلك الزيارة فهنا تبدأ رحلة العذاب , ففي المرحلة الأولى وقبل كل شي يجب على الأهالي الحصول على التصاريح التي يستطيعون بموجبها العبور إلى مناطق 48 وهذه تخضع للفحص الأمني ولا تُعطى لأي أحد ٍ فمعظم الأهالي ممنعون منها , أما من حالفهم الحظ وحصلوا عليها بعد شهور من الإنتظار سيتوجه بعدها إلى مقر الصليب الأحمر في مدينته لكي يُسجل للزيارة , وبعد الحصول على التذاكر يبدأ الأهالي بانتظار اليوم المحدد للزيارة بفارغ الصبر فتتضارب مشاعر الأسير عندما يعلم مُسبقا أن لديه زيارة ما بين فرحه العارم برؤية ذويه وخوفه وحزنه عليهم لأنه يعرف مقدار ما سيُلاقونه من مُعاناة ٍ وتعب ٍ وإجراءت ٍ مُذلة ٍ وهو في الغالب يحاول ثنيهم عن القدوم بسبب ذلك .
في يوم الزيارة يتقدم الأهالي إلى مقر الصليب الأحمر في تمام الساعة الرابعة فجراً , ويستقلون الحافلات التي تتوجه بهم إلى أحد المعابر التي تُفصل بين المناطق 67 و 48 وبعد مكوث ٍ طويل أمام هذه المعابر يسمح لبعضهم للعبور والباقي إما أن يُمزق تصريحه أو يُصادر ليعود أدراجه من منتصف الطريق , وبعد العبور من المعبر إلى الطرف الآخر وبعد تجاوز عدة مراحل من التفتيش ينتقل الأهالي إلى حافلات ٍ أخرى غير التي أتَو بها فتتوجه هذه الحافلات برفة دوريات الجيش الاسرائيلي باتجاه السجن وهناك أمام السجن يتنظر أهالي الأسرى ساعات ٍ طويلة قبل أن يُسمح لهم بالدخول , وبعد ا نتظار طويل في مكان ٍ لا يقي من حر الصيف ولا من برد الشتاء تُطبق إجراءات التفتيش المُذلة على الأهالي فيدخل من حالفه الحظ إلى قاعة الزيارة ويمنع الباقون تحت حُجج وذرايع واهية .
في الطرف الآخر يتم نقل الأسير من قسمه إلى مكان الزيارة ومجرد دخوله إلى القاعة المخصصة لذلك يقع ناظره على أهله حتى يصطدم هو وذويه بالعائق الأخير الذي يمنعه من معانقتهم والتسليم عليهم , فهناك في قاعة الزيارة يفصل بين الأسير واهله زجاج صلب عازل للصوت وأما التواصل فمن خلال سماعة الهاتف بين الطرفين وهي بالغالب مُشوشة وذات صوت رديء , وبعد انتهاء الزيارة يبدأ الاهالي رحلة العودة التي لا تقل عذابا ً عن رحلة الذهاب تاركين خلفهم فلذات أكبادهم وقطع ٍ من قلوبهم بين جدران السجن.