أثار إعلان مسؤولون أتراك وسعوديون إمكانية تدخل بلادهم بريا في سوريا العديد من المطارحات والتحليلات في ميادين الاعلام ، خصوصا أن مسألة التدخل في سوريا أمرا لا يمكن المرور عنه مرور الكرام ، نظرا لتحول موازين القوى في سوريا لصالح النظام بعد أن عزمت روسيا في سبتمبر الماضي إرسال مقاتلاتها لتوفير غطاء جوي لقوات النظام ، تاركة مهمة مساندة الأخير بريا لحليفتها الاستراتيجية طهران ، فها هم المسؤولون الاتراك يعلنون بين الفينة والاخرى استقبال بلادهم للمقاتلات السعودية في قاعدة انجرليك التركية في ولاية أضنة التركية ، بيما يحشد الجيش التركي قواته البرية على الحدود التركية-السورية استعدادا للقيام بحملة عسكرية .
من السالف ذكره أن تركيا والسعودية تقاربتا بشكل واضح ومتين في الآونة الخيرة لدرجة ربما سترقى الى تشكيل تحالف استراتيجي رغما عن أنهما تختلفان في عدة قضايا منها جوهرية أهمها موقفيهما المتناقض ازاء الحركات ذو الايديولجيا الاسلامية في المنطقة وضح الكاتب والباحث في الشأن التركي د.سعيد الحاج (خلال مقابلة أجريتها معه) "ان الرياض استشعرت بضرورة التصدي لطهران ومحاولة مواجهتها في عدة جبهات الأمر الذي التقى مع الرغبة التركية " وأضاف أن اولوية التصدي لطهران بالنسبة للرياض أولى من الحركات الاسلامية .
إن التحليل السياسي يشترط تقبل الأمر الواقع والأخذ بعين الاعتبار بمعادلات توازن القوى الاستراتجية ونبذ أحلام اليقظة واتخاذ موضعا حياديا حتى يكون ذاك التحليل منطقيا وواقعيا وله امكانية الاعتماد من قبل الدول خلال تقاعلاتهم السياسية والعسكرية ، ومن هنا نستدرك أن تركيا والسعودية لا تجرؤان على التوغل في الاراضي السورية مترا واحدا دون الضوء الاخضر الامريكي ، برهن د.سعيد الحاج هذه المعادلة بأن" البلدين ما زالا ملتزمين بالسقف الأمريكي لحل الأزمة السورية والخطوط الحمراء في دعم المعارضة، لعدة اعتبارات أهمها حاجتهما للدعم الأمريكي والغطاء الدولي أو شمال الأطلسي في مواجهة الوجود الروسي في سوريا " وأضاف " تخوف كل منهما من ارتداد دعم المعارضة لدعم خصومهم المحليين أو الإقليميين، أي الحوثيين وحزب العمال الكردستاني قد حجمهما " .
إن الازمة السورية أصبحت مصدر قلق لا للمشرق الاسلامي فقط بل حتى للعالم أجمع ، حيث أنها أضحت ساحة المعركة العالمية واستعراض العضلات بين القوى العظمى الأمر الذي يحولها غلى موضع اقتتال اقليمي ولا يستبعد محللون أن يتحول فيما بعد الى حرب عالمية .
وقد أشار د.سعيد الحاج الى أن الاستراتيجية الروسية تجاه المسألة السورية قائمة على ثلاثة ركائز اولها حماية حدود سوريا المفيدة أي الدولة العلوية على الساحل السوري مع دمشق ، والركيزة الثانية هي الحيلولة دون تقدم المعارضة وحصرها بين معارك كر وفر في مناطق غير مهمة استراتيجيا ، وأما الركيزة الثالثة فهي معاقبة تركيا عسكريا –الى جانب معاقبتها اقتصاديا- على إثر اسقاطها لطائرة السوخوي الروسية وباعتبارها الداعم الاول والاكبر للمعراضة السورية عن طريق دعم الاكراد السوريون (أعداء تركيا) لوجستيا وعسكريا وسياسيا وتأجيج الشعور القومي الكردي لدى الاكراد الاتراك ومحاولة اهانة الحس القومي التركي من خلال قصف مواقع للتركمان في سوريا .
اخيرا ليس اخرا ان المؤشرات الحالية لا تفيد اطلاقا ايجابا ، حيث ان الحال اللذي نعيش هو أشبه بحرب باردة جديدة ولكن تكون هذه المرة روسيا الشيطان الاكبر فيها .