بقلم : رائد محمد الدبعي
كثيرة هي دواعي الألم في واقعنا الفلسطيني، منها تمدد المشروع الصهيوني، واستمراره في مخططه العنصري لاقتلاعنا من أرض الآباء والأجداد، وتوالي خيباتنا الوطنية، واستمرار الإنقسام القاسي بين جناحي الوطن، وفشل كل محاولات رأب الصدع، وتعطل الحياة الديمقراطية، وغياب إستراتيجية وطنية موحدة، ورؤية فلسطينية مشتركة، تضمن تحقيق الاستقلال وتقرير المصير، وارتفاع مستويات الفقر والبطالة، وعزوف شبابنا عن القراءة، والتراجع الكبير في مستويات المشاركة المجتمعية والسياسية والتطوعية لديهم، وتراجع دور المجتمع المدني في الرقابة والمسائلة والتأثير، وتقلص دور ومساحة الطبقة الوسطى في المجتمع ، لحساب طبقة رأسمالية متنفذة، بالإضافة إلى نتائج استطلاعات الرأي العام التي تدق كل نواقيس الخطر، وتشي بحجم الاغتراب الذي يعانيه شبابنا، وعزوفهم عن القراءة، ورغبتهم بالهجرة، ومغادرة الوطن، حتى لو كان ذلك من خلال ركوب عباب البحر والاستسلام لرأفة موجه الهدار .
كما أن انغلاق كل الآفاق السياسية، وعدم توافر أي فرصة في المدى المنظور لتحقيق أدنى حقوق شعبنا من خلال المفاوضات، وكذلك تواصل سياسة التحيز المطلق للمحتل، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وتوفير غطاء سياسي لجرائمه ضد شعبنا، والانزياح المتعاظم للمجتمع الاسرائيلي نحو اليمين والتطرف، في ظل إحكام العنصريين سيطرتهم على القرار والمجتمع، وتقلص هوامش دور قوى اليسار فيه، والأزمات الإقليمية المركبة، والاستثمار البائس لها من قبل القوى العظمى، على حساب المواطنين الذين يقبعون بين مطرقة الإرهاب والتطرف، وسندان الظلم والقمع والديكتاتورية، إذ دفع لاجئو شعبنا ضريبة صراعات لا ناقة لهم فيها ولا بعير، فكلها أمور تثير في النفس نوازع الخوف والإحباط، وتحفز المواطن الفلسطيني على الغضب.
على الرغم من أن حدود الفرح الفلسطينية محدودة ، وأيامه معدودة، وأن أبواب التفاؤل تكاد توصد في وجه الفلسطينيين، إلا أنه من المحظور فقدان الأمل الوطني، وإفساح المجال لليأس أن يفرد جناحيه ليغطي مساحة الأمل ، فإن نجح اليأس في التسلل غفلة من الأبواب الخلفية للذاكرة والضمير، فمن العار أن نشرعن حضوره في أزقة الروح ومصاطب الذاكرة، فاليأس الوطني، لا يقل خطورة عن المحتل والمستعمر، والمرض والفقر، والجهل والبطالة، فانتفاض الجيل الفلسطيني الرابع في وجه المحتلين، واستعداده العظيم لتقديم كل التضحيات، حفاظا على عروبة القدس، ضد كل محاولات التهويد والأسرلة، وكذلك فوز المربية الفلسطينية حنان الحروب، بجائزة أفضل معلمة في العالم، على الرغم من الحاجة الماسة لإعادة النظر في مناهجنا الدراسية، ونسبة الفتيات في مؤسسات التعليم العالي في الوطن، والتي تتجاوز نصف عدد الطلبة، والنجاحات لمتصاعدة التي تحققها حملات مقاطعة المحتل على مستوى العالم اجمع، وحالة التضامن الشعبي الرائع، الذي سطره شباب الوطن، وقواه المجتمعية ، من خلال حملات التبرع للأسر التي هدم المحتل بيوتها، ومشاركة الفتيات في المواجهات الشعبية، جنبا إلى جنب مع الشباب، لهو مدعاة لاستشراف المستقبل بأمل وفرح وتفاؤل.
على الرغم من كل بواعث الإحباط والتشاؤم، وكل الأبواب الموصدة في مسيرة زرعنا للسهول الوعرة بالورود، يبقى الأمل زادنا وهواؤنا الذي يجب أن لا يغادر النفس والعقل والذاكرة، فإن كان اليأس السياسي مبرر ومباح، بل وضرورة وطنية ماسة، من أجل تقييم الأداء، وتصويب المسار، ولملمة الصفوف، فإن اليأس الوطني يجب أن يبقى على رأس المحظورات، فقد سبق وأن مرت أرضنا وقضيتنا بفترات جزر أشد قسوة مما نعانيه اليوم، حول خلالها الغزاة التسوية الجنوبية الشرقية للمسجد الأقصى المبارك لاسطبلات للخيول، واضطهدوا الفلسطينيين من المسلمين والمسيحيين، مما أجبر بطريرك القدس حينها للهرب إلى القاهرة، ليعيش في حماية الفاطميين، كما سبق واحتل الغزاة الصهاينة ما يزيد عن ثلثي وطننا، إلا أن كل ذلك لم يزرع اليأس في نفوس أجدادنا، ولم ينتزع الروح الوطنية والإيمان الحتمي بقدرة شعبنا على النصر، فلا زالت الذاكرة الجمعية للأجيال الفلسطينية المتعاقبة تحن لبحر يافا، وهواء اللد، بقدر اشتياقها لتكبيرات المساجد وترانيم الكنائس في القدس، ولرائحة التاريخ في بيت لحم ونابلس، مما يؤهلنا باستحقاق وجدارة لمجاورة الأمل، ودعوته بشكل دائم ليعطر أجواء الروح والذاكرة، وليزرع في نفوسنا سنابل الإصرار، التي سيحصدها الفلسطيني نصرا ما دام شلال الأمل والعمل والعقلانية هادرا.