منذ نحو ستة اشهر و اندلاع احداث المواجهة ضد الاحتلال الاسرائيلي و التي اخذت اشكالا متعددة و الجميع يتسائل هل نحن في بداية انتفاضة ثالثة ؟ ام هي مجرد هبة شعبية ؟ ام مواجهة شاملة مع الاحتلال ؟ و قد كنت شخصيا مع عدم تحميل الاحداث اكثر من حجمها و قد كتبت في ذلك اكثر من مرة و في اكثر من مقال ,, و كان دافعي بذلك امران اساسيان الاول اننا لسنا مجبرين على تسمية انتفاضة تبدأ بتاريخ و تنتهي بآخر ..و الثاني اننا لا نعلم حجم و امتداد المواجهة فلماذا نسميها انتفاضة قد تنتهي سريعا و تسجل فشلا و احباطا في الداخل الفلسطيني ,, و قد فضلت ان اعتبرها هبة شعبية نتيجة عوامل الضغط و ممارسات الاحتلال قد تصل الى انتفاضة او حتى مواجهة شاملة .
ما لفتني اليوم تصريحات رئيس هيئة اركان الاحتلال ( ايزنكوت ) الذي قال ان هناك تراجع في عمليات المقاومة و ارجع ذلك الى جهود الاجهزة الامنية الفلسطينية و سياسة الرئيس ابو مازن شخصيا مما ادى الى تراجع العمليات و قدر رفع مستوى النشاط الامني الفلسطيني بنسبة 40% حسب ايزنكوت ,, و في اعتقادي فان لهذه التصريحات هدفين اساسيين ..اولهما محاولة الاظهار ان هناك تراجع فعلي في المقاومة الفلسطينية و كأنه يعلن رسميا انتهاء هذه الجولة من المواجهة ( الهبة او الانتفاضة ) ..و الثاني محاولة زيادة الفجوة بين الموقف الشعبي و الفصائلي الفلسطيني من جهة و القيادة السياسية من جهة اخرى ,, اي تبيان ان هناك موقف شعبي محدود يريد المواجهة و ان السلطة السياسية تمنع و تعمل على انهاء هذه المحاولات بحثا عن الحل السياسي و حماية بقائها و وجودها كسلطة .
اعتقد ان هناك توجهان فلسطينيان متباينان يظهران كمدرستين مختلفتين ,,الاولى تقول ان اي مواجهة مع الاحتلال هي مواجهة خاسرة و ان ميزان القوى في الجانب الاسرائيلي و بقوة و ان قدرات الشعب الفلسطيني محدودة و ان التغيرات الاقليمية عزلت الفلسطينيين و قضيتهم و ضمن هذه المعطيات فان المواجهة انتحار و ان لا بديل عن عملية سياسية تقاد بدبلوماسية ناعمة و ( ملاطفة ) تحاول التأثير على المجتمع الاسرائيلي و ترسل رسائل حسن النوايا تجاه الداخل الاسرائيلي و ان الحكمة و دراسة المعطيات بواقعية و اتزان تتطلب منا ان نقي الشعب نتائج و ابعاد مواجهة غير محسوبة و غير مضمونة النتائج و ان يترك الامر للقيادة السياسية لتناور و تعمل على الساحة الدولية و المحلية لفرض حل سياسي دولي من خلال جهد يصل الى مؤتمر دولي لفرض الحل ,, و حتى الوصول لهذا ندخل في مطالب مؤقتة مثل تجنيب مناطق ( A حسب اتفاقية اوسلو) دخول و اقتحامات الاحتلال و قد نبدأ برام الله - اريحا اولا حتى يعمم الامر على باقي المناطق اي سياسة المراحل مرة اخرى و العودة الى نقطة البداية تماما كما حصل قبل 23 عاما عقب اتفاقية اوسلو و ( غزة - اريحا اولا ) .. و يمثل هذه السياسة او المدرسة القيادة السياسية الممثلة في السلطة و مؤيديها في التوجه السياسي ..
اما التوجه او المدرسة الثانية و يمثلها المزاج العام الشعبي بفصائله و مؤسساته و اتحاداته الشعبية فهو مختلف تماما و يقول لقد جربنا المفاوضات لاكثر من عقدين من الزمن و تدرجنا في الحل المرحلي المتدرج في محاولة الوصول للحل النهائي دون جدوى و كانت الاثمان باهظة فكل مرة يعود الاحتلال الى المربع الاول بعد تكليف الفلسطينيين الاثمان الباهظة بالدماء و الاراضي و الموارد ,, و ان لا بديل عن مقاومة الاحتلال حتى زواله و ان الشعب الفلسطيني يملك من القدرات و الايمان بقضيته و المعنويات ما يؤهله للصمود و مواجهة الاحتلال رغم الاحداث الاقليمية و ادارة الظهر للقضية ..و ان الحال لن يدوم و الاوضاع الاقليمية و الدولية في تغير مستمر و عليه لا يجب الانجرار لارهاصات المرحلة نحو التسليم بالامر الواقع و الوقوف عكس مسار التاريخ و ان نسلب الشعب حقه في المقاومة و الصمود و ان هذا الاحتلال الذي يعطي نفسه الحق بالاستيلاء على الارض و ينكر على الشعب الفلسطيني الحق في المقاومة ,, و بذلك فان من يدافع عن هذه الوجهة يقول ان المفاوضات عبثية استعملت كغطاء للاسرائيليين لسلب المزيد من الاراضي و زيادة الاستيطان باضعاف مضاعفة نحو تحقيق مشروعهم الشيطاني بالسيطرة التامة و التهويد و ان هذا المشروع يحتاج من الفلسطينيين فقط مقاومته مهما كلف الامر .
و هنا اقول ان هذا وقت المصارحة فقط فليس المهم ان نسميها هبة او انتفاضة و ليس المهم نقاش هل انتهت ام انها مستمرة و كذلك ليس المنطق ابدا ان نعيد تجريب المجرب و نجتر المحاولات البائسة لاسترضاء من يحاول حرق وجودنا ,,بل المطلوب ان نعيد بناء قوانا فننهي الانقسام و نتوحد بالبرنامج الوطني الذي عنوانه اننا كفلسطينيين جبهة موحدة في مواجهة الاحتلال حتى زواله ,, و ان الاحتلال يلعب على التناقضات و الفجوات و في النهاية يسلط السيف على رقبة الجميع و ان وحدة الهدف و البرنامج تتطلب اعادة الصياغة و استعمال الادوات و الامكانات ,, و ان الشعب الفلسطيني المحتل و الذي يكافح منذ نحو قرن من الزمان يوحده الكفاح المستمر و ليس اجترار التجربة الفاشلة .و ان كسب الشعب افضل و اهم من محاولات فاشلة لكسب رضى مجتمع الاعداء .
و بعد 23 عاما من المفاوضات و49 عاما من الاحتلال,, و 68 عاما من اغتصاب فلسطين,,يصل المجتمع الدولي الى حقيقة ان ( اسرائيل) لم تقم لتوافق على دولة فلسطينية بالدبلوماسية الناعمة,,فبان كيمون رئيس اعلى هيئة دولية يصل لهذه القناعة ,,و الادارة الامريكية التي طالما وعدت بالدولة ( يخيب ) املها بالحكومة الاسرائيلية على لسان بايدن
والنتائج التي يصل لها كيمون و بايدن ان على كلا الطرفين الفلسطيني و الاسرائيلي العودة للحوار من اجل ( السلام و الدولة ) !!!
فما المطلوب من الشعب الفلسطيني ؟؟ انتظار المعجزة ام الحل الالهي؟؟
ان الشعب الفلسطيني يؤمن بعدالة السماء و يؤمن كذلك ان زمن المعجزات قد انتهى و ان الحقوق تنتزع و لا توهب و ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم فيعيدون بناء قوتهم متسلحين بالايمان المطلق بعدالة القضية و القدرة على حمايتها حتى الخلاص من الاحتلال الاخير في العالم .
فعذرا درويش ..فان المارون قاعدون .. باقون ..مستوطنون ... و هناك من ينكر علينا رفض بقائهم و يحملنا مسؤولية حياتهم و رفاهيتهم ...لم يأخذو اي شيء يعنيهم و ينصرفوا فقط اخذوا دمنا و هم يقهقهون برشف كؤوسه الحمراء و لم ينصرفوا ..و لكنا باقون نضمد الجراح ..و نعيد بناء وجودنا الازلي نعم على صدورهم باقون كالجدار يا زيّاد.
سامر عنبتاوي
23-4-2016