كثيرة هي الأمور التي لا نزال نجهلها عن عملاق المجموعة الشمسية كوكب المشتري. ففي عام 1610 قام جاليليو جاليلي بالنظر إليه بواسطة منظاره فرأى أقمارًا أربعة تدور حوله غيرت من فكرة الإنسان عن مركزية الأرض التي امتدت أكثر من ألفي سنة حتى ذلك الزمن، لتبدأ رحلة الاستكشاف والنظر إلى ما هو أبعد مما تراه العين المجردة.
فكوكب المشتري هو أكبر كواكب المجموعة الشمسية إذ إن كتلته وحده تزيد على مجموع كتل بقية الكواكب بضعفين ونصف، وتفوق الأرض بـ318 ضعفا، وأما حجمه فيعادل 1317 ضعفا لحجم الأرض.
وليس هذا فحسب بل إنه الأسرع دورانا حول نفسه بين جميع الكواكب، حيث يتم دورة واحدة كل عشر ساعات، بسرعة دوران تبلغ 45300 كليومترا في الساعة، مقارنة بسرعة الكرة الأرضية حول نفسها البالغة 1670 كليومترا في الساعة، وهي السرعة المحسوبة عند خط استواء كل من الكوكبين.
وبسبب هذه السرعة الهائلة وتكوينه الغازي فإنه يتفلطح عند القطبين ليختلف قطره الاستوائي البالغ 71500 كيلومتر عن قطره القطبي البالغ 67850 كيلومترا بفارق يربو على 3600 كيلومتر، ويترتب على هذه السرعة العظيمة أيضا تخلق مجال مغناطيسي قوي يحيط الكوكب بغلاف مغناطيسي أشد من مجالنا المغناطيسي بأربعة عشر ضعفا يمتد حتى يحمي أقمار المشتري الكبيرة الأربعة وهي جانيميد ويوروبا وكاليستو وإيو، ولو تم استصلاح أحدها للحياة فلن يكون ثمة خطر من الإشعاعات الشمسية الخطرة ولا الأشعة الكونية كذلك، لكن تبقى ضرورة وجود غلاف جوي مناسب وبعض الماء السائل.
ويعد كوكب المشتري النموذج المثالي لأكثر من 90% من الكواكب النجمية المكتشفة في المجرة بعيدًا عن مجموعتنا الشمسية، لكن أكثر تلك الكواكب تدعى مشتريات (جمع مشتري) ساخنة لقرب كل منها من نجمه الأب، وحين تُرسم هذه الكواكب فإنها ترسم أقرب ما تكون إلى شكل المشتري.
أما أقمار المشتري فقد بلغت حتى موعد كتابة هذه المادة 67 قمرا، وهو العدد الأكبر من الأقمار لدى كوكب في المجموعة الشمسية، ويظن العلماء استقصاء بأنه من المحتمل أن يكون متوسط عدد أقمار المشتري مائتي قمر أكثرها بقطر أقل من عشرة كيلومترات يصعب رصدها حتى بواسطة مركبات الفضاء المقتربة منه.
ولأن المشتري لا يخذل الناظر إليه أبدا، فيمكن لأي منظار ثنائي أن يرى أقماره الأربعة الكبيرة المعروفة بأقمار جاليليو، وهي بترتيب قطرها: جانيميد (5262 كم) وهو أكبر من كوكب عطارد (4878 كم)، ثم كاليستو (4800 كم)، يليه إيو (3630 كم)، وأخيرا يوروبا (3138 كم). وللمقارنة فإن قطر قمر الأرض هو (3476 كم).
كما أن لهذا الكوكب المميز ثلاث حلقات شبيهة بحلقات كوكب زحل مع فارق اللمعان، إذ إن حلقات المشتري شديدة الخفوت، وهي ناتجة عن تطاير الغبار من سطوح أقماره الكبيرة بسبب اصطدام النيازك بها وتحرير كميات منها اتخذت حول المشتري مدارًا بسبب جاذبيته العظيمة، إذ إن جاذبيته الناجمة عن كتلته الكبيرة أشد من جاذبية الأرض بنحو ضعفين ونصف (2.64)، فالشخص الذي يزن على الأرض ستين كيلوغراما (الأصح علميا أن نقول أنه يزن 600 نيوتن) سيزن على المشتري 158 كيلوغراما أي 1580 نيوتنا (هذا إذا وجد مكانا يقف عليه هناك أصلا، إذ إن الكوكب غازي لا سطح صلبا له).
ولأهمية هذا الكوكب فقد عبرته سبع مركبات فضائية هي بيونير10 (1973 و1974) وفوياجير 1+2 (1979) وأوليسز (1992) وكاسيني (2000) ونيو هورايزون (2007). وأما ما وصله ودار حوله من مركبات فهي: جاليليو (1995-2003) وجونو (أطلقت 2011 وستصل في 2016).
غير أن أهم مظاهر كوكب المشتري حين النظر إليه من خلال الصور أو عبر عدسات التلسكوبات الكبيرة نسبيا هو ظهور البقعة الحمراء العظيمة التي يجزم العلماء بأنها إعصار في الغلاف الجوي للكوكب بارتفاع يبلغ ما بين 12 و14 ألف كيلومتر وطول يعادل 24 ألف كيلومتر مما يجعل هذه البقعة كبيرة بحيث تتسع لكرتين أرضيتين أو ثلاث. وتختلف البقعة عن غيوم المشتري التي تظهر على شكل أحزمة جميلة تدور فوقه على ارتفاع خمسين كيلومتر فقط.
ولأن كوكب المشتري رابع ألمع أجرام السماء بعد الشمس والقمر وكوكب الزهرة، فإنه حين يظهر يبدو لامعا ساطعا، وهو السبب الذي جعل العرب تطلق عليه اسم المشتري، فقد اشترى الحسن والجمال لنفسه، وهو أطول الكواكب مكثا في السماء.
والمشتري أكبر كواكب المجموعة الشمسية، ولذلك فهو -رغم بعده البالغ 800 مليون كيلومتر- يسطع بلونه الأبيض ولا يفوقه في اللمعان سوى ظهور محطة الفضاء الدولية أو بعض أقمار الإيريديوم التي تظهر بين يوم وآخر في أول الليل أو آخره، وهو جرم سماوي سهل لكل من أراد أن يرى كوكبا حقيقيا حتى باستخدام أصغر التلسكوبات.
_______________
*عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك
المصدر : الجزيرة