لما أبو زينة
انتشرت في الآونة الأخيرة الكثير من القصص والتقارير الصحفية التي تتناول في مضمونها مواضيع حساسة في المجتمع, فهذه من اغتصبها والدها فحملت منه سفاحاً, وهذه من أحبت شخصاً فكانت فريسة شهواته ليفقدها أعز ما تملك, وتلك اعتدى عليها شقيقها بعلم والدتها, وأخرى حضّر لها زوجها موعداً غرامياً مع صديقه, ولا تقتصر القائمة على تلك القصص بل ربما تطول, وما تلبث كل تلك العناوين التي تصاغ بطريقة غامضة لتجذب القراء أن تنتشر في أحد المواقع الإخبارية أو مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتم تداولها بشكل كبير وتتراكم عليها التعليقات في غضون ثوانٍ لتلعن وتشتم أبطال بعض تلك القصص الخيالية المجرمين وتتعاطف مع اخرين ممن أظهرتهم القصص نفسها بصورة المظلوم المضطهد.
في الحقيقة لا يمكن لأحد أن ينكر وجود تلك الحوادث في مجتمعنا, فأي مجتمع لا يكاد يخلو من حوادث مشابهة حتى وإن كانت طي الكتمان, لكن التهويل فيها ونشرها بكثرة وبصورة مشابهة في الحالات والأحداث خاصة أنها في مجملها تتحدث عن قضايا تتعلق بالمرأة بشكل كبير قد يرسخ في عقول البعض صورة نمطية سيئة عن المرأة على اعتبار أنها ضعيفة وسهلة الانصياع لرغبة أحدهم, إضافة إلى ما تجره تلك المواد من خوف وشك في قلوب الفتيات حتى في أقرب الناس إليها كأبيها وأخيها وزوجها أيضا بعدما صورتهم تلك القصص بشكل سيئ منفر.
مع هذا لا نستطيع أن نعمم صفة " الخيال" على جميع تلك القصص, لكن المواقف المتراكمة كاستماعك لأحد زملائك الصحفيين يقرأ لك تقريراً أعده أو قصة قام بكتابتها فتتأثر أنت بما جاء فيها وترتسم على وجهك علامات الحزن وتتعاطف مع المظلوم فيها حتى يسألك عن رأيك فيه " كيف شفته؟ حلو؟" فتجيبه أنت بأنه محزن ورائع لتقابلك عندها ابتسامة منتصرٍ يقول لك " أنا ألفته" !! والغريب أن تقرأ ذات التقرير في اليوم التالي في أكثر من موقع إخباري بعدد هائل من المشاهدات, وقد تتغاضى في نفسك عن الموضوع وتقول ربما استثناء أن يكون في الصحافة شخص كهذا, لكن تكرار الموقف ذاته من شخص ثانٍ وثالث, قد يضعك في دائرة الشك في كل ما يمر على مسمعك بعدها.
لا أعلم ما الدافع وراء القيام ب" تأليف" تلك القصص وبتلك المواضيع بالذات ربما تفاعل المجتمع مع هذا النوع من الحوادث قد يكون سبباً في الكتابة فيها حتى ينال اسم كاتبها حظاً وافراً من الذكر بعد الكم الهائل من المشاهدات التي تلحق نشر مادته الصحفية, ومما لا شك فيه أن ما تحتّمه الأخلاقيات الإعلامية من ضرورة التكتم على اسم الأشخاص الحقيقيين في القصة وهويتهم ومكان إقامتهم من خلال استبدال اسمه باسم مستعار أو بطريقة أخرى حتى تحفظ له خصوصيته خاصةً إذا كان الموضوع يتعلق بسمعة الشخص ومكانته, تلك القاعدة أعطت مجالاً لأولئك أن يصبوا جهدهم في ابتذال ونسج أحداث بطريقة متسلسلة ومتقنة مما أملاه عليهم خيالهم حتى لا يدعون فيها مجالاً لأحد أن يبدي شكه في أي جزء منها.
لكن الكارثة حقاً أن يكون السبب الأكبر وراء إقدام بعض الصحفيين على القيام بذلك عدم امتلاكهم للمهارة الصحفية التي تمكنهم من إيجاد موضوع حقيقي ليجسد فكرة لتقريرهم أو القصة التي يرغبون بكتابتها فيلجأون لمثل تلك الأساليب حتى يكون لهم نتاج إعلامي خاص بهم, إن كان السبب الأخير حقيقياً فإن هذه الفئة إذا ما استمرت بتأليف مواد إعلامية ونشرها على الملأ قد يضع كافة الصحفيين في خانة النفاق حتى يصبح دائم الملازمة لصفتهم.
إن الصدق قيمة أخلاقية أولاً وخاصة ثانياً مما يجعل الرقابة عليها أمراً صعباً بل يكاد يكون مستحيلاً, وربما من الأحرى بالجامعات أن تنمي في الصحفيين حس المسؤولية الاجتماعية والصدق كأساسيات للصحافة قبل الخوض في غمار الصحافة تطبيقاً.