من ملامح الإفلاس السياسي الفلسطيني إعتقاد النخب السياسية في رام الله وغزة، بأن عادة هز الرؤوس الآخذة بالإنتشار، تعبر عن رضى المواطنين تجاه السياسات المتبعة ، وفي حقيقة الأمر أنها شارة تنذر بكارثة تودي بحلم وكبرياء الفلسطينيين.
مقدمات الكارثة بدأت بتحول الانقسام الفلسطيني من مستوى الإجتهادات الحزبية والفكرية إلى مستوى الغرز: في كل غرزة أعضاء يخدمون بعضهم البعض بستار راية الوطن، فلم تعد التيارات الفلسطينية التقليدية والحديثة، تتمايز عن بعضها البعض بمدى تقدمها الفكري وفعلها الوطني والمجتمعي، بل بمدى قدرتها على تحقيق أقصى الإمتيازات الممكنة لجماعتها حين يحل السلام والذود عنها في زمن الحرب.
التيارات ذاتها تعاني من تزايد مضطرد في عدد الغرز ما يفقدها ثقتها بنفسها ورزانتها، ويسلبها واحدة من أهم مبررات وجودها المتمثلة بالفعل الوطني وثقة المواطن الفلسطيني به وإستعداده للتضحية من أجله.
ذلك كون القيادة إنقلبت على قيم مؤسساتها وأنظمتها الداخلية وسلوكها الوطني نحو النجاة الفردية، وبحثت عن ضمانات البقاء الذاتية، وهو ما يمكن أن يفسر كيف تصبح قضايا كمنصب نائب الرئيس، و جماعة الزهار وترهاتهم أولوية على الأجندة الفلسطينية، في وقت يهرب الجميع من الإجابة على تساؤل المواطن البسيط إلى أين نحن ذاهبون؟.
وفي وقت تتخبط فيه القيادة الفلسطينية، وتتيه في حدود خياراتها الضيقة، وتهز رأسها لكل ما يمكن ان يعرض عليها ضمن قاعدة الحراك أفضل من الجمود، يهز المواطن الفلسطيني رأسه هو الآخر، ويسكت عن حقوقه كافة حتى لم يعد قادرا على المطالبة بها من جديد.
في السابق كان المجتمع الفلسطيني قادرا على إخراج نفسه وقيادته من المآزق الحرجة، دون سابق إنذار وانتفاضة الحجارة نموذج يحتذى به في هذا المجال.
ما يجعل من الواقع الفلسطيني معقدا هو إنسحاب أزمة القيادة إلى المجتمع وأصبحت إشكاليتنا مركبة، وجب فيها البحث عن إجابة لتساؤل أبرزه الكاتب خيري منصور عن وجود مجتمعات فاشلة بالتوازي مع الدول الفاشلة.
إصابتنا بداء المجتمع الفاشل له مؤشرات كمواساة المجتمع لنفسه بالزهد والترفع عن أخذ أدواره السياسية والمجتمعية، وتسليم أمره فيها إلى نخبة سياسية وإقتصادية متنفذة، جعلنا مرتبطين بإحتياجاتنا اليومية البسيطة، لا تتجاوز حاجات الحيوان، وتكون بعيدة كل البعد عن أولويتنا الوطنية والإجتماعية الجامعة ومنحرفة عنها، نصنع لها المبررات خوفا من مواجهة الحقيقة.
إن حبنا للوطن والحفاظ على حلمنا بالحرية والإستقلال والعودة، والعيش في ثنايا دولة تحترم الإنسان وعقله، يدفعنا للكتابة، لكن الحب لا يجب أن يكون عذرا مباحا لعادة هز الرأس والعبودية.