كشفت أحداث السنوات الخمس الأخيرة في مناطق عمليات الأونروا (فلسطين-غزة: حربين صهيونيتين تدميريتين عامي 2012 و2014 أعقبتا حربا ثالثة عام 2008، سوريا: حرب تدميرية طاحنة لاتزال مستمرة، طالت اللاجئين الفلسطينيين كما السوريين، ولبنان والاردن: بآثار هذه الحرب بالنزوح والتهجير القسري الجديد للفلسطينيين كما السوريين) عن جملة من الحقائق والآثاروالاستنتاجات المتصلة بقضية اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها الجوهر السياسي للقضية ، والتي يمكن إجمالها في ثلاثة محاور رئيسية:
الأول: ضعف وتراجع دور م.ت.ف التاريخي وفصائل المقاومة من مدافع وحام لمن تمثل ، الى دور المتفرج على هذا الصراع الضاري الذي تدور رحاه بشكل خاص في أهم دول الطوق، وكأن الأمر لايعني فلسطين ، مع أنها كانت وما تزال هي جوهرالصراع – أي صراع- في المنطقة. والأخطر في هذا الموقف هو أن عدونا عمل ويعمل على تعظيم الإفادة مما يجري في المنطقة عبر تعظيم عدوانه على أرضنا وشعبنا، بهدف تحقيق أهدافه الاستراتيجية بأسرع ما يمكنه ذلك، وهو يرى أن الفرصة لذلك هي أكثر من سانحة. لقد أكد تصريحات القادة الصهاينة ما هو أكثر من ذلك : من أن لم يعد هناك من أي تهديد عربي لكيانه، ولم يعد هناك أي جيش عربي أو أي جبهة شرقية أو شمالية أو جنوبية تشكل أي تهديد له.. بل أكثر من ذلك فإنه آخذ في بناء استراتيجيته للسنوات وربما للعقود القادمة انطلاقا وتأسيساعلى مخرجات الحرب الدائرة على سوريا بشكل خاص.
في هذه المرحلة ازداد تراجع دور المقاومة الفلسطينية - إلا في غزة- تراجعا مهينا الى حد إخلاء المسرح لحركات وحراكات متواضعة ( لم تقو حتى الان أن تشكل حالة تاريخية يمكن الرهان أو البناء عليها). وإذا كان الموت في السياسة هو عدم إدراك الجديد : بخطابه ولغته وأدواته وسلاحه..، فان الوقوف من الصراع الدائر- بتعقيداته و بترابطه الجدلي - موقف المتفرج أو المراقب أو المراهن على حصان خاسر أو سراب واهم، لا يعني سوى الخروج من الصراع خاسرا ! إن لهاث م.ت.ف خلف سراب المفاوضات قد ألحق بالقضية الوطنية الفلسطينية دمارا هائلا سيكون من الصعب والمعجز تلافيه والحد من نتائجه إلا لعقود أو فقط بعد انبثاق ثورة فاسطينية.
الثاني: انكشاف دور الأونروا ومخططاتها التصفوية وتعرية خطابها الزائف في تزيين واقع اللاجئين زورا وبهتانا، عبرتقارير مفوضيها العامين وتقاريرها الاعلامية، عبر السنوات التي سبقت اندلاع الصراع المكشوف في المنطقة. كانت تلك التقارير تتحدث عن صورة وردية زائفة لأوضاع اللاجئين في مناطق عمليات الاونروا: كانت تتحدث عن أوضاع تعليمية وصحية ومعيشية وحقوق إنسان مزدهرة..! وهي إدعاءات غير صحيحة وغير واقعية، لا بل كانت تقارير فيليبو غراندي ومن قبلها كارين أبوزيد ( المفوضين السابقين) تتحدث عن تحقيق الرفاهية للاجئين داخل مخيمات اللجوء !!
لقد جاءت الحروب على غزة وسوريا وموجات النزوح والهروب والموت عبر البر والبحر، لتكشف زيف وكذب كل تلك التقارير – التي لم تتعرض لأي تمحيص أوانتقاد عربي أو دولي-. كما بينت عمق هشاشة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين المأساوية. فأحداث مخيم اليرموك في سوريا، وأوضاع غزة عموما ومخيماتها خصوصا، والموت عبر البحر بالجملة، وأخيرا ردود فعل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبدايات حراك في الارض المحتلة ،إثر إعلان الاونروا لتقليص وإلغاء خدماتها الصحية والاجتماعية في لبنان والارض المحتلة، وما حملته تلك الأحداث و المحطات من مآس ومعاناة ومؤشرات ، هي فوق طاقة وقدرة البشر - لا سيما وأنها ليست الأولى في تجربة اللجوء والمعاناة والتغريبة الفلسطينية-، قد كشفت كذلك عن مدى عمق التآمرعلى فضية اللاجئين، الذين أثبتت ظروفهم المرة تلو الأخرى أنهم كانوا يعيشون "ليومهم" أي بلا مدخرات ولا احتياطيات ( وأنهم حسب المثل الشعبي : كالمغطى بقشة!) - وهم الذين وصفتهم تقارير الاونروا بالمرفهة والمستقرة. إن ما تحمله ردود أفعال اللاجئين الغاضبة تجاه الاونروا علها ترعوي، وتجاه هذا المجتمع الدولي الظالم عله أن يخجل من خطابه وسياساته وادعاءاته كافة، وعلهما يعيدا حساباتهما!!
ثالثا: الحاجة الى تغيير في أشكال الصراع مع الأعداء والخصوم، وعناوين وأدوات وشعارات هذا الصراع، وإخراجه من حالات التناقض والتخبط:
لقد كشف الصراع الأخير مع الاونروا في لبنان – والمرجح تدحرجه الى سائر مناطق عملياتها- ، على إثر قرار الاونروا بتقليص وإلغاء الخدمات الصحية والاجتماعية، وبعد تشكيل خلية الأزمة في لبنان، عن الحاجة الى تغيير لغة الخطاب السياسي والاعلامي الفلسطيني بشكل جوهري ليعكس حقيقة دخول الصراع مع الاونروا والقوى التي تسيرها ،مرحلة جديدة تتمثل في البدء بتصفية خدمات الاونروا نهائيا، بعد أن أجرت العديد من "البروفات" السابقة والممهدة لهذه المرحلة الخطيرة، والتي كان أخطرها تصريحات وتقارير رفعتها الأنروا الى الأمين العام للأمم المتحدة منتصف العام الماضي، تحذر فيها من عدم تمكنها من تقديم وتوفير " خدماتها المتعلقة ببرنامجها التعليمي" (هكذا)، وقبل ذلك إعلانها عن وقف العمل بنظام الإغاثة التقليدي في غزة واعتزامها استبداله بنظام آخر، وغير ذلك من إجراءلت تقليصية في الخدمات الصحية في مختلف مناطق العمليات !. كل ذلك شكل اختبارات ومداخل لتصفية جانب مهم من مسألة اللاجئين، الجانب الإغاثي ، الذي يعني استمراره وضرورته، وجود مشكلة ما ما زالت بغير حل، أو تحمل مخاطر تفجر ما في خرائط استقرار المنطقة! . إن الخطير في هذه المرحلة هو ليس عدم إدراك الأونروا (وهي المؤسسة شبه الاستخبارية )، ومن يحركها، حقيقة أوضاع اللاجئين، بل على العكس من ذلك تماما، وهذا هو الأخطر في الآمر، وليس المحير!. تريد الاونروا القول بأن اللعبة قد انتهت . . .“Game is over”
وهذا الواقع الجديد يعكس حقيقة بلوغ الصراع مع الاونروا ومن يرسم سياساتها أوجه ليوشك على دخوله أخطر مراحله التصفوية، وهذه المرة "على المكشوف". هذا الواقع الجديد يقتضي من جهة إعادة قراءة وتقويم أدبيات الصراع مع الأونروا والأمم المتحدة، وشعارات تقليدية كالقول بالاستمساك بالأنروا في الوقت الذي نصفها بالتصفوية، أي بالنقيض.. أو رفع شعار " أعيدونا الى وطننا ولا نريد منكم إعانات.." . من الذي سيعيد اللاجئ الفلسطيني الى وطنه غير بندقيته؟ أو عندما يرفع شعار "الاستمساك بالمخيمات" (قبل تهديمها وبعد تهديمها) : مع أن الأصح هو الإشارة الى المخيمات والتعامل معها كمحطات إجبارية فرضت على لاجئي شعبنا قسرا وليس اختيارا، وأنها والحالة هذه يجب إعدادها والتعاطي معها كقواعد للثورة وزحف العودة الى الديار.. لا بل يجب عدم السماح لأي حالة من حالات الترهل والاسترخاء وتقبل الوضع وكأنه أبدي أو دائم .. وعليه فعندما تهدم هذه المخيمات جراء أي عمل عدواني يجب التوجه بلاجئيها الى الحدود مع فلسطين ، وبالمقاتلين الى الوطن . وبالتالي هل يجوز أن ترفع فصائل العمل الوطني هكذا شعارات، مطلبية او غيرها مما يمكن تركه لفئات اخرى ربما غير قادرة على حمل البندقية ، أم أن عليها رفع البندقية والتحرك بها نحو الحدود، وإعلاء كلمتها؟؟ . إن إعادة الاعتبار الى البندقية ورفع صوتها هو وحده الكفيل بلفت نظرالمجتمع الدولي الى جوهر الصراع في المنطقة ، ومن ثم كف يده عن التآمر والتلاعب بمصير شعب فلسطين – لاجئين وغير لاجئين - وتصويب خطابه وقراراته الأممية وسياساته الاقليمية والدولية.
ومن جهة أخرى فإن مستجدات ومعطيات الصراع في المنطقة عموما وفي العالم تتطلب صياغة استراتيجية نضالية فلسطينية جديدة، بل قل ثورة جديدة، ليس لأن قضية اللاجئين -وهي الجوهر السياسي للقضية الوطنية الفلسطينية - وحسب ، بل لأن الجوهر الوطني للقضية - مسألة الأرض- ، ولأن الجوهر الديني للقضية ، وأبعادها القانونية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والمعنوية، كلها تتعرض لمخاطر وجودية وتصفوية وتهويدية حقيقية تهدد القضية الوطنية الفلسطينية برمتها، وشعبنا –داخل فاسطين وخارجها - بنكبة جديدة أوسع نطاقا وأشد قساوة وضراوة مما عرفناه سابقا . وما يزيد من هذه المخاطر المحدقة بالقضية هو أن معسكر أعدائنا ماض في رسم أخطر خرائطه السياسية للمنطقة منذ سايكس – بيكو، فيما يعتبره فرصة ذهبية سانحة، بينما نحن - فلسطينيين وعربا ومسلمين - في أضعف أحوالنا وأدائنا وهواننا.