المُخلِّص بقلم: رامي مهداوي
تاريخ النشر: السبت 12/04/2014 08:49
المُخلِّص بقلم: رامي مهداوي
من فترة أسبوعين وين ما بروح بسمع نفس الإيقاع لأسطوانة لا تنتهي، وكلٌ يعزف ويغني على ليلاه، والله يكون في عونك يا ليلى ... كلٌ يبحث عن ما يراه الأفضل له من حيث الخلاص بما يتلاءم مع مصالحه أولاً وأخيراً، ثم النظر إلى حالة الخلاص التي يرتقبها الشعب، بمعنى الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي، الخلاص من حالة الانقسام المتزايدة في الجسد الفلسطيني، وربما الخلاص من الذات بتحررها من ذاتها المقموعة، فبمجرد أن تولد فلسطينياً يولد أيضاً معك شعور بأن أزمات البلد مستعصية عن الحل حتى لو استخدمنا السحر والشعوذة، ويولد شعور آخر أن نخبتنا وقيادتنا من كل الأطياف_ حفظهم الله ورعاهم وأبعد عنهم كل مكروه وسدد خطاهم_ عاجزة عن حل مشاكلنا المتنوعة سواء كانت يومية آنية أو إستراتيجية نحو التحرر، ما يجعلنا نحن المواطنين نبحث عن صوت المُخلِّص يهبط علينا من السماء لينقذنا مما نحن فيه.
البعض منّا يبحث عن المُخلّص من خلال تاريخ الشرعية!! البعض يبحث من خلال عن المُخلّص من خلال الدين!! البعض يبحث عن المُخلِّص من خلال مفهوم الوطنية!! المُخلِّص الرأسمالي!! والبعض من خلال النعرة القبلية... النعرة الطبقية!! ما يؤدي الى تقسيم المجتمع أكثر مما هو مقسم إلى أتباع المُخلّصين، لتجد في المقهى الواحد أحزاباً غير مرئية كل منها يتبع لمُخلِّص مختلف، وربما على الطاولة الواحدة تجد عدداً أكثر من أرجلها لتلك الطاولة "رجال" أتباع لمُخلّصين.
حالة القهر اليومية بمختلف أشكالها، وغياب الرؤية الواضحة لهدف محدد وضيق الأفق، يسمح لعقلنا أن يخلق أوهامَ شخصية المُخلّص حتى يكون هناك أمل نستنشق منه المستقبل الأفضل الذي نطمح له على الرغم من إدراكنا الكامل بأن ما نراه في المستقبل ليس سوى سراب، يقول المفكر المصري يوسف زيدان في كتابه (متاهات الوهم)" لا تأتي فكرة المخلِّص من فراغ، وإنما تأتي من الفراغ السلطوي لجماعة مقهورة تتأسَّى _من الأسى_ بالتعلق بالأمل الذي يمتد في أذهان الناس قروناً، ثم يتوارثونه جيلاً بعد جيل، فيشيع في النفوس ذلك الأمل _الخلاصي_ المخفِّف لوطأة الواقع".
الخطورة في ذلك حسب وجهة نظري_ وممكن أن أكون مخطئاً _ تكمن بأن خلق المُخلِّص من قبل الشعب يخلق أيضاً حالة من الركود المطمئن، بمعنى أن الشعب يضع كل آماله وطموحاته في سلة المخُلِّص دون أن يقوم الشعب بما يجب عليه أن يقوم به من حالة استنهاض "عمل فعلي" ورفض للواقع من حيث حالة الإحباط من السياسيين والعملية السياسية والمجالات الأخرى المتنوعة، إذن وبصيغة أخرى حالة الرفض تلد صورة المُخلِّص أو الرجل القوي "السوبرمان" الذي سيخرج فلسطين مما هي فيه، تلك الصورة أصبحت في الثقافة الجمعية لكثير من الفلسطينيين الذين سئموا الانقسام والخلافات الفردية السياسية التي تعزز بالأخير دور الاحتلال في الانقضاض علينا وتمزيقنا أكثر فأكثر، بالتالي فقدنا جميعاً مواقعنا كمواطنين فاعلين في كل هذه الرهانات والأحلام بقدوم المُخلِّص حتى يخلصنااااااا.
فالمخلّص مهما كانت صفاته الخارقة الذي يتمناه شعبنا لن يحل مشكلة واحدة من مشاكلنا الفلسطينية بمعزل عن المجتمع والمواطنين أو بمعزل عنك يا قارئ هذه الكلمات، ولن يستخدم المعجزات، إنما من خلال الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي المكونة للنظام السياسي الفلسطيني، وربما حان الوقت أيضاً لولادة أحزاب جديدة بأدوات وتطلعات مختلفة تتمرد على حالة الإحباط التي يعيشها شعبنا.
هنا يجب أن أشير سريعاً بأن الكثير من المؤسسات الدولية والمحلية تعمل بوعي أو/و دون وعي على مساعدة خلق شخصية المُخلِّص في عقل المواطنين من خلال ضخ المعلومات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة التي تساعد في بناء شخصية المُخلِّص داخل عقل المجتمع بواسطة أدوات مختلفة مثل: التركيز الإعلامي على شخصية ما، استطلاعات الرأي، استضافات متكررة....
لا يجب أن ينتظر روّاد المقاهي، الصالونات السياسية، كتّاب المقالات، المحللون السياسيون، المتشائمون، مدراء المؤسسات الأهلية، حيتان القطاع الخاص.... مخلصاً حاملاً عصا موسى، ولا يتصوروا أن هناك "سوبرمان أو سبايدرمان أو بيزنزمان أو شيخ مان وحتى فتحاوي مان" مهما كانت قوته الخارقة وشعبيته من راس الناقورة حتى النقب يستطيع أن يغير الواقع الفلسطيني بمعزل عن الإرادة الإيجابية للشعب، والإيجابية هنا تشمل المؤيد والمعارض، فنحن أولاً وأخيراً الشعب.. والشعب هو المُخلِّص، فالحل لا يأتي إلاّ من ذاتنا ولن يأتي من شخص بذاته... لهذا لن يأتي المُخلِّص وعلينا عدم انتظار أي مُخلِّص، لنتمرد على وعينا وعدم الصبر بانتظاره ... علينا العمل لتخليص أنفسنا بأنفسنا.
للتواصل:
بريد الكترونيmehdawi78@yahoo.com
فيسبوك Rami Mehdawi
|