مع موائد الإفطار وروحانيات السحور في شهر رمضان الكريم؛ من كل عام؛ يشتد شوق وحنين الأسرى لذويهم، وتتجدد أيضا وآهات وحزن فراق عائلات الأسرى الفلسطينيين، وتسترجع ذكرياتها الجميلة مع أبنائها خلال ذلك الشهر، وتتمنى لو أنهم يعودون إلى أحضان أمهاتهم وأطفالهم في هذه الأيام المباركة من السنة؛ التي تتميز بلمّ شمل العائلات على مائدة إفطار واحدة.
أحوال صعبة، ومعاناة لا توصف متعددة الأشكال وكثيرة للأسرى وأهاليهم في شهر رمضان، فرغم فرحتهم بهذا الشهر المبارك إلا أن فرحتهم لا يمكن لها أن تكتمل وتبقى منقوصة ويصاحبها حزن وألم بصمت؛ لا يزول؛ إلا عندما يكون أبناء الشعب الفلسطيني من الأسرى بين أحضان عائلاتهم وأمهاتهم.
عائلات الأسرى في شهر رمضان تصوم يوم تلو يوم؛ وسط مشاعر جياشه من الفراق والاشتياق، الذي لا يوصف، ولا يخفف من صعوبة وحدة اللوعة والاشتياق إلا الأمل باللقاء، والإفراج القريب للأسرى بعد طول انتظار.
تزداد حالة القلق، وتشتد من قبل عائلات الأسرى؛ خاصة أن الرسائل التي يبعث بها المعتقلون في الفترة الأخيرة أصبحت تنذر بخطورة أوضاعهم وراء أسوار الاحتلال من الاقتحامات المتكررة للأقسام، والتفتيش العاري والإهمال الطبي؛ بينما يستصرخون الجميع دون أن يجدوا آذانا صاغية.
ومع موعد الإفطار؛ وخلال إعداد طعام الإفطار للعائلة، تتذكر أمهات أكثر من 7000 ألاف أسير وقرابة 70 أسيرة ما آل إليه حال أسراهن في زنازين أو غرف السجن المغلقة التي بالكاد تتسع لهم ومحشورين فيها إجباريا.
ولا تنسى الأمهات الدعاء للأسرى مع كل موعد فطور أو سحور؛ والتي كانت رائحتهم العطرة تفوح في أرجاء المنزل قبل الاعتقال، ليأتي الاحتلال الغاشم ويحرمهن من مهجة قلوبهن وريحانة بيوتهن وزينتها.
الأسرى في رمضان؛ كلهم موحدون؛ والاحتلال هو الذي يفرق بين الأخوة والأهل ليطيل من عمره قبل كنسه لمزابل التاريخ،والسجن رغم مرارته لا تطبق أبوابه على أحد من الاسرى؛ وان طال الفراق وطال الزمن، والحرية مضجرة بالدماء، وثمنها التضحيات الجسام.
شهر رمضان وما يرافقه من ذكريات فراق الأحباب الأسرى في سجون وزنازين الاحتلال؛ لا يزيد الشعب الفلسطيني إلا إصرارا على نيل حقوقه، وإقامة الدولة كبقية شعوب العالم التي تنعم بدول مستقلة؛ والشعب الفلسطيني ليس بأقل منها.
تحرير الأسرى هو مطلب كل الشعب الفلسطيني؛ وكل يوم يمر في الأسر؛ سواء في شهر رمضان أو غير رمضان؛ هو استنزاف لحياة الأسرى الأبطال؛ الذي مكانهم الطبيعي بين احضان شعبهم ليكملوا مشوار التحرير؛ وليس مكانهم هو في زنازين عفنة رطبة؛ لا ترى ضوء الشمس ولا نور القمر.
سيرحل الاحتلال؛ وسيفرح الأسرى الأبطال بحريتهم غصبا عن الاحتلال؛ وهل يوجد احتلال عبر التاريخ دام للأبد؟! لكن حتى ذلك اليوم لا بد من طي صفحة الانقسام للأبد، والعمل ضمن القواسم المشتركة الكثيرة، فالوطن واحد والعدو واحد، والهدف مشترك وواحد، فهل سيفعلها قادة الشعب الفلسطيني هذه المرة ويصطلحوا؛ نأمل ذلك.