كايد معاري
حدث ان إختلفت حركتي فتح وحماس خلال انتفاضة الحجارة، وعقب مؤتمر مدريد للسلام وتوقيع إتفاقية اوسلو، وتبني السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة فتح نهج المفاوضات في حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، في وقت وجدت فيه حماس نفسها امام مرحلة تاريخية لتبرز كقوى معارضة جديدة على الساحة.
كان لهذا الصراع رغم ما شابه من ممارسات يعتبرها البعض مقدمات لما جرى بعد انتخابات التشريعي عام 2006، مبرراته الفكرية، والوطنية، ومحددات وضعتها قيادة الحركتين، قلصت فرص تطور الصراع السياسي إلى إشتباك ميداني ومواجهة مسلحة دامية، ومنعت ولو ظاهريا ربطه ضمن محاور إقليمية خارجية.
تغيرا جوهريا حصل اليوم في قراءة الصراع الفتحاوي – الحمساوي عقب حزيران 2007، تبرز تجلياته مع تلاشي تلك الفوارق بين برامج الحركتين من حيث الممارسة على الصعيد الميداني في شطري الوطن، وعلى مستوى إتفاقيات المصالحة الموقعة التي رسخت منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد وانضمام كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي لها، من خلال تشكيل مجلس وطني جديد، والإلتزام ببرنامج إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران.
الجولات المكوكية للوفدين الفتحاوي والحمساوي أنتجت اتفاقا على البرنامج السياسي بخطوطه العامة ومنطلقاته الأساسية، ووضعت الحد الأدنى الذي يمكن لكل الوان الطيف الفلسطيني التوافق عليه، لكنها لم تنجح حتى اليوم تطبيق ما توافقوا عليه لأسباب عدة أهمها: غياب الإرادة السياسية الناتجة عن أزمة " رأسية" داخل حركة فتح سببها عدم ثقة بعض الأطراف بقدرة الحفاظ على ما يملكونه من إمتيازات ونفوذ عقب المصالحة من جهة. ومن جهة اخرى أزمة " هرمية" تعاني منها حركة حماس وتجعلها غير قادرة على اخذ قرار المصالحة على مستوى الرأس لعوامل وارتباطات إقليمية مختلفة، يضاف لها عدم مقدرتها إقناع قاعدتها على مصالحة أشبه بالردة في العقيدة الحمساوية التي رسختها حماس خلال عقدين من الزمن.
يضاف إلى غياب الإرادة، عامل آخر يتمثل في العقلية التي تحكم الوفدين القائمة على المحاصصة، ومعالجة الإنقسام من خلال إقتسام السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها، دون أدنى إعتبار لحقوق المواطن الفلسطيني، الذي اصبح ضحية صراع دفع ضريبته حين نشأ وسيدفعها مرة اخرى حين تعالج، على حساب حقوقه في تقرير مصيره، واختيار ممثليه، و حقه بالمنافسة على كل الوظائف الحكومية التي تتقاسمها الحركتين على موائد العواصم العربية.
إن نهج الإقتسام المتبع من قبل الحركتين، دون مراعاة لحقوق المواطن الفلسطيني إنما يعد بحد ذاته معضلة تفوق من حيث النوع والكم قضية الانقسام، من حيث النوع: كونها تكشف زيف ادعاءات الحركتين، وطبيعة العقلية التي تحكم النظام السياسي الفلسطيني القبائلية، والتي لا تمت لتطلع المواطن الفلسطيني العيش بكرامة وحرية ضمن مؤسسات دولة لا تشبه تلك التجارب العربية البوليسية. ومن حيث الكم : حجم الحقوق الاقتصادية والإجتماعية والسياسية المهدورة على مذبح الإقتسام الفتحاوي – الحمساوي.