جاء شرط نتنياهو على ليبرمان لدخول الحكومة بعدم الاعتراض على المصالحة مع تركيا، مشيرًا إلى تصميم نتنياهو على إسقاط كل الموانع الداخلية والخارجية للمصالحة مع تركيا بالرغم من كل الضغوطات التي واجهها داخليا.
يبدو أن نتنياهو أيضا نجح في التغلب على معارضة جهات إقليمية ودولية سعت للحيلولة دون إعادة العلاقات بين تركيا و(إسرائيل) على رأسها الموقف الروسي الذي يرى في هذه الخطوة خطرا على مصالحه الاستراتيجية في المنطقة، من جهة هيمنته على سوق الطاقة التركية، حيث يحررها من قيود الضغط الروسي المحتمل في حال ازداد التوتر بين البلدين بسبب الأزمة السورية.. فتركيا ستستفيد من تنوع مصادر الغاز الذي تستورده من روسيا والذي يقدر بحوالي 58% وحوالي 19% من إيران لأنه سيساعد تركيا في الضغط على الموردين الحاليين سواء روسيا أو إيران من أجل الحصول على تخفيضات في أسعار الغاز أسوة بما تقدمه روسيا لألمانيا مثلا وهذا يضر بالمصالح الروسية بالمقام الأول، مما يعطي إسرائيل فرصة كبيرة في تعزيز علاقاتها مع تركيا، إلا أن إعلان بوتين في الزيارة الأخيرة لنتنياهو لروسيا عدم معارضته للمصالحة بين الطرفين، مؤشر على نجاح نتنياهو في هذا المجال.
كذلك مصر ترى أن مصالحها قد تتضرر في تحسن العلاقات بين تركيا و(إسرائيل) من عدة جوانب، أهمها: أن (إسرائيل) ستجد بدائل لسوق الغاز مع مصر التي تم الاتفاق بينها وبين (إسرائيل) على تزويدها من الغاز الإسرائيلي، مما سيضطر مصر إلى البحث عن استيراد الغاز من مصادر أخرى حتى تتمكن من إنتاج الغاز من حقولها التي تم اكتشافها مؤخرا قبالة الشواطئ المصرية، والتي من المعتقد أنها لا تكفي الاستهلاك المصري الداخلي، كما سيحرم مصر من الاستفادة من محطات تسييل الغاز على شواطئها؛ علاوة على بعض الحساسيات السياسية بين تركيا ومصر بسبب موقف أردوغان من إسقاط الرئيس محمد مرسي، إلا أن القدرات المصرية في الضغط على (إسرائيل) تبقى محدودة في ظل الظروف الحالية.
كذلك تقف كل من اليونان وقبرص الشمالية مواقف معارضة لأي تقارب تركي إسرائيلي سعيا منها في عزل تركيا، في ظل خلافات مع تركيا على استغلال حقول الغاز على سواحل قبرص الجنوبية.
إلا أن ضعف هذين البلدين والصعوبات المحتملة والواقعية التي تواجهها (إسرائيل) في موضوع الغاز يدفع الجانب الإسرائيلي إلى اعادة تقييم الموقف بصورة أكبر واقعية.
كل هذه المواقف المعارضة لم تثنِ نتنياهو عن الإسراع في تجاوز أزمة العلاقات مع تركيا نظرا لحاجة الاقتصاد الإسرائيلي الماسة للاستفادة من تصدير الغاز في ظل تراجع النمو العام في الاقتصاد الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، والذي تراجع إلى أقل من 2,9% في عام 2015 مما يؤكد الحاجة إلى موارد إضافية لإعطاء دفعة للاقتصاد للخروج من حالة الركود الحالية.
لذلك فقد شكلت تركيا طوق النجاة التي يبحث عنها نتنياهو من أجل تحقيق أهدافه في هذا المجال، حيث تمثل تركيا أهمية كبيرة بسبب وجود كميات كبيرة من الغاز فائضة عن حاجة (إسرائيل) من الغاز، فهي تستهلك في المرحلة الحالية فقط حوالي 43,5% من الكمية المنتجة من الغاز، أما الباقي فهي تحتاج إلى تصديره إلى الخارج لذلك فهي تواجه تحديات كبيرة للتحول إلى قوة دولية في مجال تصدير الطاقة، وهناك تحديات مرتبطة بمشاكل تقنية وسياسية يمكن لتركيا أن تلعب دورا كبيرا في إيجاد حلول لها، على النحو التالي:
- وجود الغاز الإسرائيلي على بعد أكثر من 100 كم من شاطئ فلسطين المحتلة عام 48 الأمر الذي يتطلب إنشاء خطوط للغاز من أجل نقله إلى (إسرائيل) أو إلى أسواق خارجية، ولا توجد سوق خارجية إلا السوق الأردنية والفلسطينية وهي ضعيفة، لذلك فإن أفضل الطرق هو التعاون مع تركيا، وهي تفتح الطريق لسوق أخرى كبيرة هي السوق الأوروبية.
ولذلك فهي تحتاج إلى خطوط لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية إلى أوروبا تشكل ضمانة في مواجهة تحديات أمنية يمكن أن تستهدف خطوط الغاز الإسرائيلية.
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل هناك المخاوف الإسرائيلية من تعرض هذه المحطات إلى هجمات، وهذا يستدعي توفير قوات بحرية مسلحة بمنظومات الصواريخ لآلاف الساعات إضافة إلى مصروفات أخرى مما سيشكل تكلفة إضافية تحد من الاستفادة من الغاز المنتج.
تواجه (إسرائيل) تحدياً في تصدير الغاز إما عبر الأنابيب عبر تركيا أو إنشاء محطة تسييل للغاز عائمة، وهذا سيكلف (إسرائيل) حوالي 10 مليارات دولار، أو عبر خطوط عبر قبرص ثم اليونان وهذه خطوط طويلة ومكلفة جدا.
تصدير الغاز إلى تركيا سيعطي (إسرائيل) ميزة اقتصادية بالنسبة إلى تركيا، خاصة وأن تركيا تعتمد بشكل كبير على الغاز وهي دولة من أكبر المستوردين للغاز في العالم والثانية بعد الصين في آسيا، ومن المتوقع أن يصل حجم الاستيراد التركي للغاز من (إسرائيل) حوالي 160 BCM بليون متر مكعب، أي ما يعادل 40 % من 920 مليون متر مكعب من حاجة تركيا للغاز حتى عام 2020، الأمر الذي يحول تركيا إلى أكبر زبون للغاز الإسرائيلي.
التوافق مع المصالح الأمريكية:
ترى الولايات المتحدة الأمريكية أهمية كبيرة لوجود علاقات مستقرة بين تركيا و(إسرائيل) ووقف حالة التوتر بين حليفين مهمين للولايات المتحدة.
تسعى أمريكا إلى الحفاظ على مصالح شركاتها في المنطقة، حيث تمتلك الشركات الأمريكية حصصا كبيرة هناك، فمثلا شركة نوبل الأمريكية تمتلك 39 % من أسهم حقل ليفتان للغاز Leviathan" "، وتملك 70% من أسهم حقل أبروديت " Aphrodite "، كما أن المصالحة الإسرائيلية التركية تسقط الفيتو التركي داخل حلف الناتو على التعاون مع (إسرائيل) لأن تركيا كانت ترفض رفضا قاطعا أي تعاون أو مشاركة لـ(إسرائيل) في تدريبات الناتو التي تشارك فيها تركيا خاصة في منطقة شرق البحر المتوسط، وهي المنطقة التي تهم (إسرائيل) وبالتالي فقد كان الجانب الإسرائيلي محروماً بشكل كبير طوال 6 سنوات الماضية من هذه الميزة في التعامل مع حلف الناتو، وهو أمر حيوي ومهم بالنسبة للجيش الإسرائيلي الذي شكل قوة دفع رئيسة في التوصل إلى هذا الاتفاق.
لذلك فإن التوصل إلى اتفاق إعادة العلاقات كاملة بين البلدين أمر حيوي لـ(إسرائيل) فكما هو مهم لتركيا فهو أكثر أهمية بالنسبة لـ(إسرائيل)، وعليه فإن نتنياهو لن يتردد في التوقيع على الاتفاق إلا إذا ظهرت عقبات لم تكن في الحسبان، وأنه سيعمل كل ما بوسعه من أجل التوقيع على هذا الاتفاق.
