عندما احتلت فرنسا سوريا في بدايات القرن العشرين، بعد اتفاق سايكس-بيكو؛ عمدت باريس إلى تقسيمها إلى دويلات صغيرة تحت الحكم الفرنسي، على أسس عرقية وإقليمية وطائفية، فكان هنالك دولة للعلويين، وأخرى للدروز، وثالثة للأتراك، بالإضافة إلى دولتين مركزيتين حول المدينتين السوريتين الأكبر، دمشق وحلب.
لكن الشعب السوري وقواه الوطنية رفضت إلا أن تكون سوريا موحدة، وفشل ذلك المخطط.
واليوم، وبعد خمس سنوات من الحرب الأهلية في سوريا؛ عاد شبح مخطط التقسيم إلى الظهور، بحسب مراقبين استشهدوا بحديث كل من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، حول وجود خطة بديلة لدى الولايات المتحدة لتقسيم سوريا في حال فشل الحل السياسي، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بخصوص عدم اعتراض روسيا على تحويل سوريا لدولة فيدرالية، وهي التصريحات التي وجدت معارضة من تركيا.
ويرى مختصون فلسطينيون أن التقسيم في سوريا والمنطقة العربية؛ ليس بالأمر السهل، وله محاذير كثيرة، مشيرين إلى أنه لا يوجد إجماع سوري حوله، وأن هناك تخوفا إقليميا وغربيا أيضا منه، والحديث عنه يأتي وسط ظروف استثنائية، في ظل حرب أهلية مسلحة، وتحكّم قوى خارجية بالقرار السوري.
وباستثناء بعض القوى الكردية، التي تمتلك قوات مسلّحة فاعلة ومدعومة من الولايات المتحدة وروسيا؛ فإن أيا من القوى السياسية السورية، سواء التي في صف النظام، أو الثورة؛ لا تؤيد علنا أي خيار يقود إلى تقسيم البلاد.
سايكس-بيكو أساس المشكلة
واعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، أن بداية المشكلة كانت في اتفاقية سايكس-بيكو التي سعت إلى تدمير الوطن العربي، وتخريبه، وتقسيمه إلى دويلات.
وقال أبو يوسف لـ"عربي21" إن المنطقة تعاني من ويلات تلك الاتفاقية إلى اليوم، مشيرا إلى أن الوحدات الاستعمارية الدولية تريد ضرب الوحدة الداخلية العربية، وتسعى إلى تجزئة المجزأ، "حيث تم تدمير العراق، والدور الآن على سوريا وليبيا، بالإضافة إلى سيناء المصرية واليمن".
وأضاف أن "العالم الأوروبي والمخابرات الدولية، يسعيان إلى تنمية الدور الوظيفي لإسرائيل؛ بإعادة تقسيم الوطن العربي من جديد، لتصبح إسرائيل القوة الأولى المهيمنة في العالم من الناحية الاقتصادية والسياسية".
ودعا أبو يوسف إلى حماية الدول العربية من اتفاقية جديدة لتقسيمه، مؤكدا أن ذلك "لا يتم إلا بالقضاء على الطائفية، والحفاظ على الأمن القومي العربي، وإنشاء جامعة عربية جديدة تجمع شمل العرب ولا تفرقهم، وتجديد الديمقراطية في الوطن العربي، وتوفير مناخ توعوي".
استبعاد التقسيم
بدوره؛ استبعد المحلل السياسي الفلسطيني، عبد الستار قاسم، قيام الدول الغربية بإبرام اتفاقية جديدة تعمل من خلالها على تقسيم الوطن العربي الجديد، ذاهبا إلى القول بأن "الدول الغربية ستكتفي بتثبيت السكان دون الجغرافيا، بمعنى إيجاد كتل بشرية ما بين الدول العربية الإسلامية، بحيث لا تكون متوافقة سكانيا، وتبقي الوضع الجغرافي كما هو".
وأضاف لـ"عربي21": "هم يريدون أن يشكلوا دولة في سوريا؛ لا تتحالف مع حزب الله وإيران، ولا تصنع مزيدا من المتاعب في الضفة الغربية".
وتساءل: "لو أرادت الدول الغربية أن تقسم الدول العربية جغرافيا؛ فهل سيضمنون أنها لن تصنع مشاكل للغرب؟"، مضيفا أنه "لا توجد ضمانات لذلك، وبالتالي أستبعد اللجوء إلى خيار التقسيم".
ورأى قاسم أن "من الصعب أن يستقر الوضع في السنوات القادمة، وخصوصا في ما يتعلق بسوريا التي ستأخذ الأزمة فيها سنوات كثيرة، ومستقبل المنطقة سيكون دمارا وخرابا من الناحيتين البشرية والمادية".
مقترح الفدرالية
من جهته؛ قال المحلل السياسي الفلسطيني، عثمان عثمان، إن أي تقسيم لسوريا أو لبنان أو العراق؛ سيشكل كارثة على دول المنطقة، قبل أن يشكلها على السكان.
وأضاف لـ"عربي21" أن "التقسيم ليس من صالح تركيا؛ لأنه يشكل خطرا على مصالح تركيا القومية، وسيؤثر كذلك على مصالح إيران وعلاقتها مع العراق، وبالتالي؛ لن تقبل الدول بتقسيم العراق وسوريا؛ بحكم الواقع الإيراني في هذين البلدين".
وذهب إلى القول بأن "الدولة الوحيدة التي تريد التقسيم هي إسرائيل؛ لأنها تسعى إلى تحقيق أهداف سياسية من خلال إرباك وإشغال المنطقة العربية بالاحتراب الداخلي، بحيث تستمر هذه الصراعات لعقود طويلة".
وبين أن "الدول الكبرى، وخاصة روسيا وأمريكا، غير معنية بالتقسيم؛ لاعتبارات لها علاقة بتركيا، بالإضافة إلى أن أمريكا وروسيا لن تقبل بمنح تنظيم لدولة كيانا على سبيل المثال"، مستدركا بأن "سوريا مرشحة لنوع من الفدرالية، بمعنى صلاحيات سيادية معينة لمناطق، مع ارتباطها بالمركزية".
عربي 21