كتب حسن ابو دخان -جنين
عُمر النايف لأكثر من 71 يوماً كان يطرق جُدران الخزان لكن أحداً لم يستجب له أحد ،
كان يطرق كأنه ينفخ في علبة فارغة الكل تجاهله ،
كأن حالنا لم يتغير منذ اكثر من 60 عاماً ، حينما كان اللاجئون الفِلسطينيون يذهبون إلى الكويت عن طريق الصحراء ، حيث كتب غسان كنفاني رواية كاملة بعنوان "رجال في الشمس " وصف رحلتهم تلك "بالصراخ الشرعي المفقود ، إنها الصوت الفلسطيني الذي ضاع طويلا في خيام التشرد ، انها ضرورة الخروج بإتجاه اكتشاف الفعل التاريخي او البحث عن هذا الفعل انطلاقا من طرح السؤال البديهي ، لماذا لم يطرقوا جدران الخزان ؟"
فالمسافرون الذي كانوا يريدون الدخول تهريباً إلى الكويت بحثاً عن لقمة العيش وحياة أكثر كرامة من حياة المُخيم ، لقوا مصرعهم في هذا العالم المليء بالقذارة ، طال انتظارهم داخل الخزان
كان عامل الدولة يطيل انتظارهم ، متعمدا ربما ليس متعمداً لكنه اطال انتظارهم ،
صحيح انهُ لم يكن بينهم الا شخص واحد مُتعلم لكنهم كانوا على علم أنهُم لو طرقوا سوف يخسرون الكثير من طاقاتهم التي يحتاجونها بهذا الجو شديد الحرارة ، كانوا يحتاجون لكل سعرة حرارية ، فلو طرقوا الخزان لخسروا الطاقة فقط ، ولربما ايضا اثاروا الشكوك حول انفسهم وكشفوا امرهم ، لذلك أثروا على نفسهم الموت بكرامتهم على أن يطرقوا الحزان ويعودوا لذلك المخيم ، تحت وطأة الاحتلال ، كان هنالك أمل للتغير للأفضل لكنه تلاشى داخل اسوار الخزان ،
هنالك ترابط كامل ما بين الشهيد "عُمر النايف " وما كتبه غسان كنفاني ، كيف لا ، وهما شهيدان من أجل الفكرة ، من اجل القضية والوطن ولربما تشابهت رواية غسان مع ما حدث مع الشهيد عمر النايف ،
ذهب عمر إلى مبنى السفارة الفلسطينية ، احتمى بين جدران ، بقي يطرقهم طيلة فترة اقامته ، لأكثر من 70 يوماً وهو يحاول ان يطرق جدران السفارة ، عسى أن يسمعه الشرفاء أو ان يصل صوته إلى فلسطين ، ان ينتقل بقدرة إلهية من بلغاريا إلى فلسطين ويوصل صوته إلى مخيمات اللجوء التي مازالت باقية ،
بقي عُمر يُصارع الجدران وينقل القَضية التي انحسرت به فقط ، من داخل جدران السفارة الى الخارج ، حتى ليلة السادس والعشرين من شباط ، تلك الليلة المشؤومة التي دخل بِها أوغاد الموساد الإسرائيلي ، فاعتلى صوت عُمر بالصراخ ! وليس فقط بالطرق على جدران السفارة ، لكن للأسف صوته ، الذي يمثل صوت الوطن لم يصل لأحد ، فقد عُمر روحه وروى بِدمائه الطاهرة حديقة السفارة اللعينة في صوفيا ، لم يروها بِفلسطين كما يشاء ، كما حصل مع غسان ، فقد استشهد في ارض الشتات ، بعيداً عن الوطن أيضا
انتهت قضية عُمر وانحسر صوت الوطن الذي لم يسمعه احد ، خرج من بعده الكثر ينادون بالوطن ، لكن أين كانوا عندما كان الوطن يصرخ أليس عُمر أحق بِكم من كل شيء ،
ستبقى تتكرر في بلدي قصة الخزان ، الآن بعد عُمر يتكرر الأمر مع الأسير فؤاد الشوبكي ، هذا المناضل البطل ، الذي ناضل في المنفى وعاد للوطن وأكمل نضاله وهو الآن أكبر اسير في سجون ذلك الاحتلال اللعين ، يعاني من مرض العضال ، ويطرق ابواب السجن ، لكم هو الأخر لا يسمعه أحد ، لأن صوت الوطن لا يسمعه أحد ، لأن صوت الوطن لا يسمعه الا الشرفاء، والشرفاء في وطني قله لا يقدرون على فعل اي شيء ، اصبح كل شيء في هذا الوطن بذيء .
قصة الخزان الذي لم يطرق لم تنتهِ للآن ، وعمر لم ينتهي ، والأسير فؤاد الشوبكي لم ينتهي سيبقى هنالك من يدافع عن هذه القضية ويحرسها ،
تلك أحداث كالزهور في وطني ، ستبقى في ساحة النضال الوطني ، لِتدلنا لِطريق الخروج بِقضية شريفة لِوطن يستحق الحياة ، ولِشعب قاوم من اجل نفسه ، فَنرجُس الوطن في الأسرى ، وياسمينه في بالشُهداء ، والأمل القادم بالشعب المقاوم الذي يصون حقوقه ويثبت على مواقفه يرفض كل شيء لا يأتيه بوطن يخلو من جدران كي لا يدقها لأحد ليبقى هو سنداً لنفسه.