خلال عطلة عيد الفطر ذهبت مع الأصدقاء لقضاء الإجازة في مدينة مرمريس الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في المنطقة الجنوبية الغربية من تركيا. وكأي فلسطيني يغادر تراب الوطن أتابع الأخبار والمستجدات على الساحة الفلسطينية بشكل إدمان وكأنني سأفقد البلد في أي لحظة.
أثناء سيرنا بأهم شوارع مرمريس يدعى «بار ستريت» على شاطئ يوزنيالي تلقينا خبر جريمة قتل شاب فلسطيني عندما تعرضت إحدى قريباته للمعاكسة من قبل شبان ما أثار حفيظته وغضبه فقام بالاعتراض والتعارك معهم، حيث تلقى طعنة بسكين أدت الى وفاته.
ما بين تواجدي في هذا الشارع وما حدث في وادي الباذان، تكمن المفارقات المكانية بالحضور من حيث الطبيعة البشرية «العقلية» بمحتوى العادات والتقاليد والدين، والجغرافية من حيث الحيز المكاني كمنفس للسياح. ورغم الاختلاف الكامل بين «بار ستريت» ووادي الباذان تولد مقارنات واختلافات تؤدي الى ولادة منظومة من القيم والأخلاق من إرث نحمله معنا كإنسان منذ لحظة الولادة حتى الموت.
«البار ستريت» طوله كيلومتر بعرض لا يتجاوز 3 أمتار، يحتوي على 700 «بار» ـ حانة ـ وأيضاً على العديد من المطاعم الشعبية من الشاورما والكباب والحلويات الشرقية المختلفة والمطاعم السريعة، كذلك يوجد عدد من المحلات التي تبيع التحف والهدايا المختلفة، وأيضاً محلات التجميل. في كل هذه المساحة الضيقة كان يتواجد ليلاً آلاف السياح من جنسيات/ أديان/ أعراق/ لغات مختلفة. ومع كل هذا الخليط لم أشاهد أي تحرش، مشكلة، لم أشاهد رجال الأمن بأنواعهم المختلفة.
كان جميع السائحين في هذا الشارع يبتسمون لبعضهم البعض.. يرقصون ويغنون بلكنات ولهجات ولغات متنوعة، لم أشاهد أحدا وضع يده على جسد آخر حتى ولو بالخطأ... لم أسمع أي مشادة لفظية بين السياح انفسهم، على العكس تماماً كان هناك فضاء للتعارف الثقافي المختلف من حيث الأكل، الموسيقى، الغناء، الرقص، وحتى التحدث بقضايا سياسية دولية وإقليمية مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من يستحق كأس بطل أوروبا بكرة القدم!!
إن عقلية القتل والتحرش التي تعشعش في عقولنا أصبحت تتكاثر بشكل مقزز؛ مسببة تشويهات في جسد المجتمع الفلسطيني الذي أصبح يأكل ذاته بذاته من خلال الأمراض المجتمعية التي لم تكن متواجدة منذ عقود، وربما كان أجدادنا يتعاملون فيما بينهم كمجتمع بفكر تقدمي وحداثي وإسلامي أيضاً بشكل تنويري اكثر مقارنة بالظلامية التي نعيشها في ظل التطور العلمي والحداثي!!
الغريب بالأمر؛ سكوت المجتمع على هذه الظواهر وعلى العكس تماماً أصبح يركض الى الخلف بشكل رجعي رافضاً قبول الآخر من ناحية، واستخدام القوة المباشرة سواء قتل او ضرب او اعتداء لفظي أو جميعها، ليس هذا فقط!! أصبحنا نعتدي على حرمة القانون وأدوات تطبيقه بشكل علني، وأصبحنا نؤمن بأننا إن لم نأخذ حقنا بيدنا لن يأخذه أحد بالنيابة عنّا، جاء ذلك بسبب تراكمات كثيرة لن أخوض بمسبباتها الآن فهي بحاجة لمقال أو بحث بشكل منفرد.
بالنهاية أود القول، ان مساحة الحريات الشخصية تضيق بشكل متسارع، وحالة فقدان الأمن والأمان التي يشعر بها المواطن يوم بيوم تجعل منّا كحد أدنى للتشبيه وحوشا آدمية، أخشى ما أخشاه أن تتم تصفية قضيتنا الأساس من خلال الأمراض المجتمعية، بالتالي يقتل الجسد ذاته بذاته من خلال الفيروسات التي انتجها الجسد دون أن تكون هناك مقدرة لخلق أي مناعة ذاتية.