أ . عائشة محمد عبدربه
ماجستير ادارة تربوية
(مقال تربوي )
خريجي الجامعات الجدد إلى أين ؟
لا شك أن فلسطين تتربع على عرش الأمم التي تملك أكبر نسبة تعليم في العالم بالنسبة لعدد السكان , فمعدلات الالتحاق بمؤسسات التعليم المختلفة تعتبر الأعلى بالمقاييس الإقليمية والدولية حيث بلغت 91.2 % بين كلا الجنسيين , فالفلسطيني الذي فقد مصادر رزقه وأملاكه بسبب النزوح والاحتلال يحاول أن يضع لنفسه موطأ قدم على هذا الكوكب من خلال التعليم .
والشباب هم الفئة الأكثر تعليما , فحسب بيانات جهاز الاحصاء المركزي لعام 2015 والتي تشير إلى أن نسبة الأمية بين الشباب لا تتجاوز 0.7 % , حيث بلغت نسبة الشباب الملتحقين بالتعليم 41.6 % . أما بيانات وزارة التربية والتعليم العالي فتشير إلى أن عدد الطلبة المسجلين في الجامعات والكليات الجامعية للعام 2014 / 2015 قد بلغ 221395 طالب وطالبة . ويشير التركيب العمري للسكان الفلسطينيين المقيمين في فلسطين إلى أن المجتمع الفلسطيني هو مجتمع فتي . إذ بلغت نسبة الأفراد أقل من 15 سنة حوالي 40 % من إجمالي السكان ويتوقع أن تبلغ هذه النسبة في عام 2020 حوالي 38% , مما يعني أن المجتمع الفلسطيني سيبقى يافعا خلال العقد القادم . ويشكل الشباب في الفئة العمرية 15-29 سنة نسبة 30% من اجمالي السكان ( 1.4 مليون شاب ) ومن المتوقع أن تبقى هذه النسبة ثابتة خلال العقد القادم وهذا سيجعل أعداد الخريجين أيضا في تدفق دائم على الأقل خلال العقد القادم أيضا .
بطالة المتعلمين
وبينت نتائج مسح ( انتقال الشباب 15-29 سنة من التعليم إلى سوق العمل الذي نفذه جهاز الأحصاء المركزي (2013) إلى أن معدلات البطالة ترتفع بين الشباب كلما زاد مستوى التعليم . حيث بلغ معدل البطالة بين الشباب الخرجين ضعف ونصف معدل البطالة بين الشباب غير المتعلمين , وهذا يدلل على أن مستوى الوظائف التي يحدث عليها الطلب في السوق الفلسطيني لا يحتاج إلى مستوى تعليم عالي .
إن سوء طرح التخصصات وعدم موائمتها لسوق العمل من جهة وسوء اختيار التخصص من قبل الطالب الجامعي من جهة أخرى يسهم في تفاقم مشكلة البطالة وتزايد أعداد خريجي الجامعات العاطلين عن العمل وتعطيل نسبة كبيرة من الأيدي العاملة المؤهلة والمدربة من الدخول لسوق العمل والمساهمة في عجلة التنمية .
هل وصل السوق الفلسطيني إلى مرحلة الاشباع الكامل من التخصصات المطروحة ؟
هناك الكثير من الاسباب التي أدت إلى حدوث مشكلة البطالة بين خريجي الجامعات ومنها عدم التنسيق بين الجامعات في طريقة طرح التخصصات المناسبة لسوق العمل . فالتخصصات الجامعية تعتبر أحد مصادر الدخل للجامعات ولذلك فهي غير قادرة على إغلاقها , كما أن النظرة الدونية للتعليم المهني تشكل أحد أهم الاسباب في تفاقم مشكلة البطالة , فثقافة المجتمع الذي يفضل الشهادة الاكاديمية أكثر من التخصص المهني يسهم في زيادة هذه المشكلة . وبحسب جهاز الاحصاء المركزي (2016 ) فإن نسبة المشاركة في القوى العاملة للأفراد الذين يحملون مؤهلا علميا دبلوم متوسط فاعلى خلال النصف الأول من هذا العام وصلت إلى 79.2% , بينما بلغ معدل البطالة للذين يحملون مؤهلا علميا دبلوم متوسط فأعلى إلى 30% . وكانت أعلى معدلات بطالة في صفوف خريجي الجامعات حسب تخصصاتهم العلمية : خريجي العلوم التربوية وإعداد المعلمين حيث بلغت 61.7% يليها خريجي العلوم الاجتماعية والسلوكية 56.5 % , يليها خريجي الصحافة والاعلام 43.4% ثم العلوم الطبيعية بنسبة 32.4% . أما العلوم الانسانية فكان معدل البطالة 32.3% ويليها علم الحاسوب 32.1% والاعمال التجارية والادارية 26.9% ثم العلوم المعمارية والبناء 24% يليها الهندسة والمهن الهندسية 21.9% ثم الصحة 21.8% أما خريجو القانون فقد سجلوا أقل معدلات بطالة 8.5% . ووفقا لسجلات نقابة المهندسين فإن تعداد المهندسين في كافة التخصصات بالضفة الغربية وحدها تجاوز 20000 مهندس ومهندسة في نهاية عام 2015 .
هل الاقتصاد الفلسطيني ضعيف لدرجة أنه لا يستطيع خلق فرص عمل جديدة ؟
إن البطالة هي أخطر ما يواجه الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لأي مجتمع , فما جدوى الانفاق على تعليم لا يحقق لصاحبه القدرة على الحصول على فرصة عمل تتناسب مع تخصصه ومؤهلاته ؟ وما جدوى الانفاق على قطاع التعليم بشكل عام إذا لم يستطيع هذا القطاع توفير ما تحتاجه القطاعات الانتاجية والاقتصادية المختلفة ؟ فالموائمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل هي من أهم الأسس لبناء تنمية سليمة .
وحسب قواعد البيانات في وزارة التربية والتعليم العالي فإن عدد الطلبة المتوقع تخرجهم هذا العام من الجامعات الفلسطينية حوالي 37 ألف طالب وطالبة من كافة التخصصات . في حين وحسب وزارة العمل فإن قدرة القطاع العام والخاص والأهلي في تشغيل الخريجين وحملة المؤهلات العلمية واستيعابهم لا تتجاوز 15 ألف فرصة عمل سنويا , حيث أن القطاع العام لا يوظف إلا أعداد قليلة من هؤلاء الخريجين ويعتبر القطاع الخاص المشغل الرئيس للخريجين في فلسطين .
وأشار تقرير للبنك الدولي صدر في 2012 إلى ضعف الاقتصاد الفلسطيني وتراجع في الاداء والنمو, وارتفاع في نسبة البطالة . حيث أشار التقرير إلى عدم قدرة هذا الاقتصاد على خلق فرص عمل جديدة . فاعتماد السلطة الفلسطينية على المساعدات الدولية وسيطرة الاحتلال على المعابر والموارد الطبيعية وتدمير البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني كل ذلك يسهم بشكل جدي وخطير في تدهور هذا الاقتصاد وتراجع نموه .
أضف إلى ذلك التدفق الكبير في اعداد الخريجين وتزايد عدد السكان والذي سيؤدي إلى تفاقم هذه المشكلة التي تحتاج إلى حلول جديدة وسريعة تساهم في معالجة هذه المشكلة الملحة وخاصة أن المؤشرات الاقتصادية في فلسطين تدل على حجم التراجع في الاداء الاقتصادي مقابل الزيادة في المشكلات الاقتصادية والاجتماعية . لذا يجب العمل بمختلف القطاعات وأن تتكاثف كافة الجهود للخروج بآليات ورؤى اقتصادية لمعالجة وتعزيز قدرة الاقتصاد الفلسطيني على الانتاج وخلق فرص جديدة للعمل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني (2016 ) . أحوال السكان الفلسطينيين المقيمين في فلسطين .رام الله فلسطين .
جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني (2015 ) .مسح القوى العاملة دورة تموز أيلول 2015 . رام الله , فلسطين .
جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني (2013 ) .مسح انتقال الشباب من التعليم إلى سوق العمل . رام الله , فلسطين .
وزارة التربية والتعليم العالي (2015 ) . الدليل الاحصائي السنوي لمؤسسات التعليم العالي . رام الله , فلسطين .