mildin og amning mildin creme mildin virker ikke">
لم تكد المهلة التي حددتها لجنة الانتخابات المركزية لإغلاق باب الترشيح لانتخابات مجالس الهيئات المحلية تنتهي حتى بدأت حقائق التحالفات الانتخابية وطبيعتها “وكواليسها" في الظهور. وأماط هذا الامر اللثام عن العديد من الحقائق التي لم تكن تظهر سابقاً بذات الوضوح، أو تلك التي كان يجري تداولها في الأحاديث والمناقشات غير الرسمية. ومما لا شك فيه أن الإعلان رسمياً عن القوائم التي ترشحت لخوض الانتخابات شكل مفاجأة في العديد من الأحيان، سواء من ناحية طبيعة التحالفات، أسماء المرشحين أنفسهم، وطبيعة تمثيلهم غير الواضح أو المحدد المعالم، بين الشخصي الفردي والعشائري والحزبي... وغير ذلك من الاعتبارات. لكن بالتأكيد فإن أهم وأكبر تلك "المفاجئات" هي تلك المرتبطة بتمثيل النساء في القوائم الانتخابية.
النظرة الأولية تعطي الانطباع بأن هناك تراجع ما حصل على مضمون ومحتوى تمثيل المرأة في القوائم، إذا ما لاحظنا ان عدد القوائم المرشحة التي احتلت فيها النساء مراكز متقدمة كالمركز الأول وحتى المركز الرابع. ويكاد الميل يتجه نحو “التزام" حرفي بنصوص قانون الانتخابات في هذا المجال، مع ميل الى تبني التفسير الذي يعطي الحد الادنى من حقوق النساء، وفي الغالب يقع ترتيب النساء في المركز الخامس والتاسع من القائمة، وهو ما سيؤدي حتماً الى التقليل من فرص النساء في الفوز، إذا أخذنا بالاعتبار فرصة وعدد المقاعد التي ستحرزها كل قائمة انتخابية. أما القضية الأخرى التي حظيت باهتمام أوسع، أو ربما هي التي طغت على القضية الأولى فهي تحديداًالمتعلقة بالكيفية التي جرى فيها إدراج النساء في بعض القوائم الانتخابية.
خلال الأيام الماضية تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لعدد من القوائم الانتخابية في بعض الهيئات المحلية تم خلالها إدراج النساء فيها انسجاماً مع القانون، أي مراعاة التمثيل النسبي وفق نصوص القانون، لكن عوضاً عن تسمية "المرشحة" باسمها الرباعي على القائمة وتمت الاستعاضة عنه بوضع كلمات أخرى مثل كلمة "اخت" أو كلمة "زوجة ..." وهي تعابير ربما يفهم منها ضمناً إما عدم الرغبة في ذكر اسم المرشحة بحد ذاته، أو أنه لم يتم تحديد اسمها بعد، أو أنه تم إدراج اسمها في القائمة الانتخابية ليس بسبب الرغبة الواضحة والأكيدة في وجودها فيهاكمرشحة، بقدر ما هي محاولة لاستيفاء الشروط القانونية لتشكيل القائمة، أو تحقيق و/أو إرضاء لبعض الاعتبارات والمجموعات والجماعات ذات الوزن الانتخابي.
مراجعة تاريخية سريعة تبين أنه رسمياً وعشية المرحلة الثالثة من انتخابات مجالس الهيئات المحلية للأعوام (2004-2005) اقر المجلس التشريعي الفلسطيني عدد من التعديلات على قانون انتخابات مجالس تلك الهيئات. وكان موضوع مشاركة النساء في الانتخابات هو أبرز التعديلات اللافتة في حينه، وذلك عبر إقرار موضوع "الكوتا" النسوية في القوائم الانتخابية. وربما جاء إقرار المجلس التشريعي هذا ثمرة جهد وعمل دؤوب لنضال الحركة النسوية الفلسطينية خصوصاً، ومؤسسات المجتمع المدني عموماً منذ العام 1996 والتي هدفت في حينه الى تعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية للمجتمع عموماً، وللهيئات المحلية بشكل خاص، انطلاقاً من فلسفة ترى أن تهميش النساء عن مواقع صنع القرار على كافة المستويات على مدار فترات طويلة من الزمن أدى إجمالاً الى تكريس هذا التهميش كحقيقة وأمر واقع في الذاكرة الجماعية للشعوب اجمالاً، والى تكريس حقيقة أن النساء نفسها غير مؤهلة وغير قادرة على ممارسة دور قيادي، في المستويات المختلفة من صنع القرار. ولأجل المساهمة في تسريع تغيير جذور ومنابع هذا الاعتقاد في الثقافة المجتمعية فإنه لا بد من إعطاء النساء دفعة الى الأمام من خلال تمييز إيجابي "كوتا" لصالح تمثيلهن في مراكز صنع القرار، وهو ما من شأنه أن يقلص فجوات الخبرة والتجربة التي عايشها الذكور وبقيت حصراً عليهم على مر الزمان. وهذا بالطبع كان يعطيهم أفضلية الخبرة والتأهيل في أي سباق انتخابي في حال انطلاق كل من الذكور والإناث من نفس نقطة البداية. ومن هنا جاءت فكرة الكوتا النسوية في ذلك الحين، رغم انه وجدت ولا تزال بعض الاعتراضات، وبعضها نسوية، على تلك الفكرة.
لاحقاًلإقرار المجلس التشريعي في حينه فقد استكملت المراحل اللاحقة من تلك الدورة الانتخابية بتثبيت تمثيل للنساء بما يقارب 20% كحد ادني من مجالس الهيئات المحلية، وهذا ما جرى فعلا على ارض الواقع، حيث دخلت النساء، وربما لأول مرة في تاريخ الهيئات المحلية الفلسطينية بأعداد كبيرة الى مجالسها المنتخبة، سواء في المرحلة الثالثة او المرحلة الرابعة من تلك الدورة الانتخابية. وفي الدورة الانتخابية للأعوام (2012_2013) ارتفعت اعداد النساء في مجالس الهيئات المحلية التي جرى انتخاباتها في هذه الدورة التي تمت هي الأخرى على أساس نفس القانون المعدل والمقر في العام 2004. ونظرياً فقد تمثلت النساء بنسبة لا تقل عن 20 في المائة من مجموعة أعضاء مجالس تلك الهيئات. وهذا يعني ان مئات من النساء تمثلن في هذه المجالس، ما يزيد عن (700) امرأة وفق تقارير لجنة الانتخابات، على امتداد الوطن، باستثناء قطاع غزة حيث لم تجرى فيها الانتخابات في حينه.
رغم ذلك فقد بقيت المشاركة النسوية محل تساؤل وفحص ونقاش دائم، وموضوعة باستمرار على طاولة البحث أمام النساء والحركة النسوية خصوصاً، ومؤسسات المجتمع المدني عموماً. وبقي الجدل مستمراً ويتراوح بين وجهة نظر ترى أن إقرار "الكوتا" النسوية وتطبيقها فعلياً هو إنجاز حقيقي لصالح تعزيز دور النساء، ووجهة نظر أخرى ترى أن هذا الإنجاز ما هو إلا عبارة إنجاز شكلي تجميلي، ويحتاج الى الكثير من الجهد والعمل من أجل تحويله الى فعل حقيقي على أرض الواقع.وتكريس نمط من العمل الإداري والتنظيمي لهذه المجالس يتجاوز الصورة النمطية التقليدية لدور المرأة، ويفسح المجال امامها، ويوفر الأرضية المجتمعية المناسبة للمشاركة الفعلية للنساء في عمل المجالس. وبالطبع فانه هناك تجارب وخبرات واسعة ودروس كثيرة، سلبية وإيجابية، يمكن مناقشتها عند الحديث عن هذه التجربة. لكن نجاح تلك التجربة، نظرياً ومعنويا على الأقل، وفعلياً في بعض المواقع والتجارب، دفع النساء عموماً الى التفكير في توسيع التجربة، وتعميقها واستخلاص الدروس والعبر منها في سبيل دفعها الى الامام نحو تكريس حقيقي وفعلي لواقع مشاركة النساء في حياة مجتمعاتهن المحلية وعلى مستوى صناعة القرار فيها.
من هنا ومع انطلاق المرحلة الحالية من انتخابات مجالس الهيئات المحلية لعام 2016 انطلقت معها، وعلى نطاق واسع فكرة تعزيز مشاركة النساء. وسرعان ما بدأت هذه الفكرة بالاختمار والتعبير عن نفسها عبر سلسلة من الفعاليات النسوية وغير النسوية، وعبر ورش العمل والندوات وحلقات التوعية والمؤتمرات...الخ التي تمحورت على فكرة رئيسية بعينها وهي توسيع "الكوتا" النسوية وزيادتها. وهذا كان محل جدل ونقاش بين من يطالب بتوسيعها مرة واحدة لتصبح مناصفة بين الذكور والاناث تعبيراً عن الواقع الاجتماعي، وبين وجهة نظر كانت ترى ان زيادة النسبة الى 30% مطلب واقعي ومنطقي يمكن أن يتم تحقيقه في المدى القريب، خاصة مع وجود طيف واسع من الأحزاب والقوى السياسية والمؤسسات التي عبرت بصور مختلفة عن تأييدها وموافقتها على تبني هذا المطلب ودعم الجهد الساعي الى تحقيقه على مختلف الأصعدة.
يقولون في التراث الشعبي ان "زلات اللسان" تكشف ما تخفيه الصدور. صحيح أن ما تداوله نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام القليلة الماضية حول الكيفية التي جرى فيها "تسمية" النساء في بعض القوائم الانتخابية لم يكن رسمياً. أي انه لم يظهر في القوائم الرسمية التي أعلنت لجنة الانتخابات على الموافقة على ترشيحها بعد استيفائها متطلبات وشروط القانون. الا ان مجرد وجود مثل هذه القوائم، ونشر صور بعضها، ولو بصورة غير رسمية انما يحمل معاني ودلالات عديدة لا ينبغي لها ان تمر مرور الكرام من دون نقاش أو تمحيص. إنها تعبير منطقي، على الأقل لدى قطاع محدد من المجتمع، وعن رؤيتهم وفلسفتهم لدور ومشاركة النساء في مراكز صنع القرار، على المستوى المحلي خاصة، وعلى المستوى الوطني عموماً، وربما بعضها يعكس آليات محددة إما للتحايل على نصوص القانون، و/او وسيلة من أجل اجتذاب اصوات النساء، و/او استخدام ذلك لإرضاء واسترضاء بعض الفئات والمجموعات كالعشائر والعائلات على حساب التمثيل الحقيقيللنساء. وربما تكون الأمور غير ذلك.
متابعة ردود الفعل المختلفة التي صدرت خلال الأيام الماضية تعليقاً على هذا التطور يشير الى أن هناك ما يشبه المفاجأة وصلت حد الصدمة لدى جهات مختلفة وفي مقدمتها أطراف الحركة النسوية والمجتمع المدني. وجاءت هذه الصدمة ليس فقط نتيجة لهذا التغيير "المعاكس" للطموحات والتوقعات، وإنما كونه جاء ليضفي غيمة من الضباب والتشويش على جهد وعمل ونضالات ما يزيد عن عشرين عاماً، استثمر خلالها الكثير من الجهد والطاقة من اجل تسجيل وتكريس هذه الإنجازات. كما انه يشوش من جهة ثانية كل الخطط والبرامج التي بنيت على أساسها من اجل التقدم الى الامام. ومن ناحية ثالثة فإن حدة المفاجأة تزداد أكثر خاصة في هذا الوقت الذي صادقت فيه دولة فلسطين للتو على سلسلة من المعاهدات والمواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الانسان، وفي مقدمتها اتفاقية مناهضة كافة اشكال العنف ضد المرأة. وربما يكون كل ذلك في المدى القريب محل جدل ونقاش ومدخل للكثير من التساؤلات والاسئلة التي ستوضع أمام القوى والأحزاب والمؤسسات الرسمية حول حقيقة التوقيع على المعاهدات والتعهدات ومواثيق الشرف... وغيرها.
أيا كانت الأسباب والمسببات لظهور مثل هذه الأفكار، او القوائم المرشحة وأياً كانت محدوديتها، أو حتى عدم قانونيتها فإن مثل هذا الامر لا ينبغي أن يمر دون نقاش أو تمحيص، وخاصة إذا أخذنا سلسلة من المؤشرات ذات المغزى في ثقافتنا المجتمعية والتي يشير بعضها الى نوع من التراجع في موضوع مشاركة النساء. ومن ناحية ثانية بالنظر الى العالم المحيط بنا ومدى التراجع الهائل الحاصل فعلياً على النظر للمرأة ومكانتها في المجتمع، وانعكاسات ذلك وتداعياته على مجتمعنا وثقافته. ومن الناحية الثالثة طبيعة النظام السياسي القائم حالياً وبنيته المتحركة والقابلة للتغير والتبدل لاعتبارات عديدة تقع النساء في أسفل سلم أولوياته واهتماماته. وربما هذا ينبغي ان يضيء علامة للتحذير من انه حتى "بعض الإنجازات" التي تحققت فعلا كتعديل قانون الانتخابات قد تكون هي الأخرى في مهب الريح. وهكذا يتحول واقع الحال من وضع يمكن فيه التقدم الى الامام خطوة تلو الأخرى ليصبح ويتحول الى التقدمخطوة واحدة الى الامام يتبعها خطوات عديدة الى الوراء.