نابلس- مي الزبن- لم تكن أماً عادية كباقي الأمهات. فابناؤها الثلاثة بشار وعمار ومحمد كانوا من الناشطين في بدايات الانتفاضة الاولى وتعرضوا للاعتقال عدة مرات

لذلك لم تعش حياة هانئة وعادية. فكلما كان جيش الاحتلال يدخل الى مدينة نابلس تراها تركض خلف بشار وعمار وهم يتصدون لدوريات الاحتلال بالحجارة والاكواع. فتارة تراها تتفقد الجرحى وتبحث بين المعتقلين عن ابنيها الذين كانوا من مجاهدي منطقة راس العين وابطالها..وأخرى تذهب للمستشفيات ويدها على قلبها خوفا من وجود احدهما بين الشهداء.

في نهاية الثمانينات أعتقل جنود الاحتلال ولديها بشار وعمار، فكانت تقسم نفسها ما بين زيارة بشار في سجن الجنيد في اليوم الاول، وزيارة عمار في سجن النقب والتي كانت تصادف احيانا ثاني يوم مباشرة

فتبدأ رحلة معاناتها مع الزيارة عند الساعة الثالثة قبل الفجر صعودا بالباصات ومرورا بالحواجز وانتهاء بأقصى بقعة في جنوب  فلسطين حيث يوجد ابنها الثاني ، وفي كثير من الاحيان كانت تمنع من زيارته، فترجع مكسورة الخاطر منهكة وقلبها يعتصر ألماً وحزنا على عدم رؤيتها لابنها الحبيب.

وتتكرر الاعتقالات خلال سنوات الانتفاضة الاولى لابنائها، ولكن الحدث الاكثر إيلاما لها كان إصابة إبنها البكر بشار برجله بعد اطلاق سراحه بشهر واحد فقط بعام 1993 فبدال ان تفرح به وتخطب له اصبحت تداوي جراح رجله المصابة وتطببها..

وعمار حينها كان على وشك الافراج عنه من سجون الاحتلال.

وبعد فترة قصيرة من اصابة ابنها بشار خرج عمار .ولم تكتمل فرحتها بلم الشمل للعائلة

وابى الإحتلال الصهيوني كعادته إلا ان يسرق الفرحة من بيتها .فاحتدت المواجهات بنهاية الانتفاضة الاولى وتحديدا بعام 1994 بشهر5 استشهد نجلها الكبير بشار على دوار الشهداء بعد مقارعته لسيارة صهريج صهيونية فاطلق عليه سائق الصهريج عدة طلقات براسه وصدره ورقبته واستشهد على الفور..هذا الخبر نزل كالصاعقة على عائشة الزبن ولم تصدق ان ابنها الكبير قد استشهد وفارق الحياة فعم الحزن على بيتها ، وأما ولدها الاخر  فزوجته حتى تتناسى الم الفراق ويصبح لها ونس في بيتها وانجب ابنته الكبرى بشائر النصر التي اوقدت شمعة حياة وامل في منزل عائشة.

ولكن عمار ومع حياته الجديدة لم ينس أخيه الشهيد فقد اخذ على عاتقه ان يثأر لدماء أخيه ودموع والديه فشكل خلية مجاهدة مع ثلة من الشباب الثائر هدفها كان اخراج الاسرى.وكان ابرز عملياتها عملية سوق محني يهودا وشارع بن يهودا بالقدس عام 1997 والتي اودت بحياة اكثر من 27صهيوني وجرح العديد.وبعد مدة من الزمن تم كشف امر الخلية واعتقال افرادها.ومن ضمنهم عمار الذي كان عائد من سفره للأردن.ليشكل هذا النبأ زلزال ببيت والدته التي لم تنس ابنها الاول وفقده ففوجئت بعمار وبتبنيه للعمليات وبقيت سنة تذهب لمحاكماته في بيت ايل حتى تم الحكم عليه 26مؤبد بالاضافة الى 25سنة فانهارت امه كما البنيان الذي تم قصفه فأصيبت بعدة امراض منها الضغط والام مختلفة بجسمها..بالاضافة الى مرض والده الذي اصيب بعدة جلطات أدت الى فقدانه البصر وشلل جزئي بأطراف جسده مما زاد العبء على ام بشار.

وعلى صعيد اخر فقد كانت الشهيدة مواظبة على اعتصامات الاسرى وكافة فعاليات التضامن مع ابنها وبقية الأسرى،وعندما تسمع أن هناك  شهيد او أسير جديد تذهب وتواسي والدته وتخفف عنها..

ومرت السنين وتم منع الزيارات لأكثر من أربع اعوام وام بشار مازالت محرومةم رؤية ابنها

 وبعام 2004 قام الاسرى الفلسطينيين بإضرابهم الشهير عن الطعام الذي استمر 17 يوم .

وكانت عائشة كباقي امهات الاسرى أول المتضامنات مع أبنائهم الأسرى فاعتصمت في خيمةالإعتصام المقامة على دوار الشهداء واضربت عن الطعام.

وكانت تقول "كيف بدي آكل وابني عمار والأسرى مضربين عن الطعام"،الى ان جاءت ساعة الصفر وجاءتها أزمة قلبية ووقعت بوسط الخيمة ونقلت على إثرها الى المستشفى وتقرر لها عملية قلب مفتوح في مشفى المقاصد.

 وقبيل العملية بيومين سمعت أن خيمة اعتصام مقامة في القدس للتضامن مع الاسرى فعضت على جراحها وأخذت لها مكانا بين الأمهات وتوسطت الخيمة وعندما سألنها النسوى هناك لماذا أتيت يا حجة يبدو عليك التعب فأجابتهن:- "انا مستعدة أضل معتصمة مع اولادي الاسرى لحتى آخر يوم بعمري ووقعت بالخيمة بعد ارتفاع صغطها ونقلت للمشفى على الفور ".

وعشية عمليتها كانت تدعو الله بأن يفرج عن ابنها وقرة عينها والالم يعتصر قلبها ولسان حالها يقول: "الي خمس سنين ما شفتك يما ورح اموت بحسرتي وانت لسه مش طالع .بس ان شاء الله رح التقيك بالجنة".

وفارقت الحياة وهي تحت العملية..بتاريخ 29/8/2004

وهكذا انقضت حياة عائشة تلك الأم الصابرة المجاهدة التي فقدت الابناء مابين شهيد وأسير...

وماتت وهي صائمة ومعتصمة مع الأسرى.