تنشط الدبلوماسية الروسية هذه الآونة وتحديدا بعد ظهور المعطيات الأولية للدور الروسي المميز في الصراع الدامي على الساحة السورية,وتعمل جاهدة على إحياء مشروع التسوية السلمية الخاصة بالقضية الفلسطينية والتي انطلقت لبناتها الأولى في أعقاب العدوان الثلاثيني على القطر العراقي الشقيق عام 1991م مباشرةً,ولازالت حتى هذه اللحظات تراوح مكانها رغم مرور أكثر من خمسٌ وعشرون عاما على المسير في فلكها,والتي لم ينجم عنها في المحصلة النهائية سوى المزيد من المأساة والمعاناة, ومزيدا من القتل وجرائم الإبادة والتطهير العرقي الممنهج بحق الشعب العربي الفلسطيني ,ومزيدا من العض والقضم لمجمل القضية الوطنية ومشروعها التحرري المرحلي والقاضي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية, ومحددات السلام في المنطقة ,وكذلك ما نشهده من تسريع رهيب في وتيرة الاستيطان والتهويد مما يشي بحجم المخطط الصهيوني الهادف إلى وأد مشروع حل الدولتين, وشطب القضية الفلسطينية, مما يضع جملة التنازلات المجانية التي قدمتها القيادة الفلسطينية على المحك وبرسم الإجابة على حجم التساؤلات الكبيرة بخصوص الاعتراف المجاني بحق إسرائيل في الوجود ضمن حدود آمنة ترتكز لخطوط الأراضي التي احتلت قبل الرابع من حزيران من العام 1967م.
إذا نحن اليوم أمام شوط جديد للموفد الروسي الخاص بعملية السلام في المنطقة بهدف النفخ مرة أخرى في جثمان الوليد المسخ المسمى عملية التسوية, أو بعبارة أخرى مجهود جديد يستهدف صب الوقود الروسي في خزان عربة التسوية المتوقفة وخصوصا بعد فشل المجهود الأمريكي والفرنسي في ذات السياق لعل وعسى يستطيع الدب الروسي دفعها للأمام دون وضوح تام للرؤيا السياسية والقانونية مما قد يتسبب في سيرها نحو الوادي السحيق ويؤدي حتما لهلاكها.
من هنا نستطيع القول أن أي جهد دولي روسي أو غيره إذا لم يستند لشروط ومحددات عملية السلام تلك ,والتي انبثقت على أساسات من القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية (وهي بالأساس قرارات ظالمة وغير منصفة بحق الشعب الفلسطيني)فانه لن يكتب له النجاح ولن يكون سوى جهد لمجرد ذر للرماد في العيون ومحاولة جديدة للبقاء في مربع الجمود وحالة اللاحرب واللاسلام نزولا عند أجندات صهيوأمريكية تستهدف استثمار الوقت لانجاز المزيد من المشاريع التآمرية على القضية الفلسطينية وما تحمله معها من مشاريع التفتيت والتقسيم الخاصة بالمنطقة العربية برمتها.
وقبل الختام لابد هنا من الإشارة أنه لم يعد بمقدور كائن من كان الاستمرار في مسلسل التضليل للشارع الفلسطيني والعربي الذي خبر جيداً السنوات الطوال لما يسمى مسيرة التسوية السلمية, وما جلبته معها من ويلات القهر والحبس والحصار والقتل والحرق والإبادة والتطهير العنصري المقيت ,إضافة لمزيد من المستوطنات حتى بلغ السيل الزبى ,ولا ننسى غول التهويد الذي بات يهدد تماما عروبة القدس ومقدساتها وعدد آخر من مدن الضفة الغربية على نحو كارثي ,مما يتطلب منا جميعا وتحديدا القيادة الفلسطينية الوقوف عند حجم المسؤولية الكبير الملقاة على كاهلنا ,وخصوصا باتجاه تصعيد وتيرة الجهد الوطني النضالي واستخدام كامل حقوقنا في المقاومة بكل الوسائل كما كفلت ذلك الشرعية الدولية ,وردف هذا الجهد بالطاقات القومية الثورية الخلاقة وتعزيز دور القوى الوطنية والقومية والإسلامية في مواجهة الإخطبوط الصهيوني الامبريالي الذي يستهدف قضيتنا الوطنية وأمتنا العربية .
بقلم : ثائر محمد حنني
بيت فوريك – فلسطين المحتلة
أيلول - 2016