الرئيسية / مقالات
ثلاثة أيامٍ متقدة وقرية دوما لا تنام على مصيبة قديمة
تاريخ النشر: الخميس 08/09/2016 10:44
ثلاثة أيامٍ متقدة وقرية دوما لا تنام على مصيبة قديمة
ثلاثة أيامٍ متقدة وقرية دوما لا تنام على مصيبة قديمة

 كتبها: أنور محمد دوابشة

تغيّر واقع الحال للقرية الهادئة الوادعة التي تمدّ ذراعيها بين الجبال وتمتد أقدامها في الغور وترخي جدائلها على السفوح الشرقيّة، لم يعد للقرية نصيب من اسمها الكنعاني المُترف بالسكينة والهدوء، ولم تعد البيادر تشهد جلسات المتسامرين المودّعين لشقاء النهار... الحالمين بغد أفضل.

محمد طالب دوابشة آخر الجروح المفتوحة في فضاء القرية، تنهار بناية في الأرض المحتلّة ليكون نصيب القرية ثلاثة من المصابين، اثنان لطفت بهم الأقدار فعادا من تحت الركام وثالث بات العربيّ الوحيد المفقود لليوم الرابع على التوالي.

أربعة أيام انقلب فيها مسار التفكير والاهتمام في كل زاوية من زوايا القرية التي أتخمت بالمصائب التي كان أكبرها إحراق عائلة سعد الدوابشة من قبل عصابات المستوطنين، وما تلاها من الأحداث التي استوجبت سَهر الشباب حتى احمرّت عيونهم وأنهكت أجسادهم لتظهر في الواجهة وبطعم مرّ آخر قضية محمد الدوابشة.

على الشارع الرئيس في القرية أقف على باب البيت بيت شجرات السرو وأنظر إلى المارّين والسؤال المتكرر : هل من جديد ؟ والجواب : لا جديد، عثروا على أغراضه .....حددوا مكان عمله .... استعانوا بزميله خلدون ليحدد مكان عمله ...ربما قذفه التيار الهوائي إلى زاوية فاستند إلى حائط .....أو استلقى تحت درج ليحتمي من الزلزال، لا يمرّ اثنان الا وكان حديثهما عن محمد ، ولا يتصل أحد إلا ليسأل عن محمد ولا رسائل ودردشات إلا عن محمد.

محمد الطّالب أب لابنتين، انتشرت قصة حُلمه بين أهالي القرية، الحلم الذي رواه لأهله وزوجته موقناً بمصيره .... جاءني سيف ومخلص وطلبا مني الذهاب معهم فرفضت، ثم سحباني بقوة معهما، والله أعلم أن الأجل اقترب، سيف ابن عمه مات غرقاً في بركة في أحد أودية القرية برفقة صبيّ آخر، ومخلص مات في ورشة في يوم العمال العالمي قبل سنتين، الحلم يلخّص الواقع المرّ لسلسلة المصائب التي تمرّ بها القرية.

وتبقى جهود شباب القرية والمخلصين منها عند مستوى المواساة للعائلة والاستعداد لاستقبال الاسوأ بعد تلاشي الفرص مع طول الوقت والقصص التي تروى عن بشاعة المشهد في مكان الحادث، ولا تنتهي صلوات الناس وأدعيتهم في كل لحظاتهم لعودة محمد سالماً فالأمل ما زال عند الجميع ولكن يبدو أن قلوب الزوجة الأم والأب والأعمام قد احترقت وكفّت لعيون عن البكاء وجفّ الدمع.

مصيبة أخرى وجرح مفتوح يطوي يوم القرية وليلها، يستفيق الناس على أمل سماع خبر مفرح أو صوت هادر أو زوامير سيارات حتى لو في عمق الليل الدامس، أي خبر يعيد للجسد الهزيل في القرية بعض الدم والحرارة لتنبعث الحياة فيه من جديد.

محمد الطالب قصّة الشاب الدوميّ الذي تواجهه المصائب في كل مكان فيبقى شامخاً صلباً، لحمة وتواصل وموقف موحّد يجمع أهالي القرية فلا انتخابات ولا مهاترات ولا تجارة ولا بيع ولا شراء ...الحديث الآن حديث محمد الطالب والأمل والدعاء لعودته سالماً لطفلتيه وزوجته ومحبّيه من أهل قريته.

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017