في نهاية السبعينيات خرج الرئيس السوداني ليقول في احدى خطبه ((الديمقراطية شيء جميل و جيد و لكن شعوبنا ليست جاهزة لها و لا تفهمها )) و كان يبرر بذلك دكتاتوريته محملا الشعوب مسألة عدم الممارسة الديمقراطية و للمفارقة فقد وصل للسلطة نتيجة ثورة على المحتل شأنه شأن الكثير من الانظمة العربية التي قامت بثورات ضد الاستعمار و عندما وصل رموزها للحكم مارسوا ابشع اشكال الدكتاتورية وهم اعتمدوا على تضحيات الشعوب الضخمة و نقلوهم من حكم الاجنبي الجائر الى حكم بني الجلدة الذي لم يقل جورا .
الديمقراطية شيء جميل فهل نحن فعلا لا نستطيع فهمها او التعامل معها و مع نتائجها ؟ هل في جيناتنا رغبة في الدكتاتورية و التبعية و الرضى بالظلم ؟ بمفهوم آخر هل الشعوب العربية خلقت بوصم العبودية فتقوم بخلق جلاديها لتعيش العبودية و اعتادت و ركنت الى القبول بالحكم الجائر سواء كان اجنبي او محلي و انها لا تستطيع اختيار حاكميها لانها لا تريد و لا تستطيع و لا تفهم و ترتقي الى المفهوم الديمقراطي؟!
ارى عكس ذلك تماما فالشعوب العربية تواقة الى الديمقراطية و تعشق الحرية و لكن من يرفضها هم النخب السياسية و الاحزاب و القوى المتنفذة التي تشعر ان الديمقراطية هي عدو لمصالحها و امتيازاتها و لذلك فهذه النخب تستعمل مبررا واهيا فاقدا للمنطق يقول بان الشعوب غير جاهزة للديمقراطية ,,, و قد يقول قائل انت تتحدث عن الديمقراطية لدى الشعوب العربية ؟ انظر ما حدث في بلدان ( ثورات الربيع العربي )) اين هي التوجهات الديمقراطية ؟ بل اين مفاهيمها وسط الدماء و القتل ,, و اقول ان ما حصل سببه مرة اخرى القيادات السياسية و النخب المخملية التي قمعت شعوبها لدرجة ان هذه الشعوب اصبحت تبحث عن الخبز و الحفاظ على الحياة كاولوية على الديمقراطية و اوجدت هذه المجموعات الحاكمة صراعا من نوع آخر لدى شعوبها بحيث اصبح يغيب عن تفكيرها ان الديمقراطية و الحرية تؤمن الخبز و الاستمرار في الحياة .
فلسطينيا عانى الشعب ابشع انواع القمع للحريات و غياب للديمقراطية في عهد الاحتلال المباشر و تمنى الخلاص من هذا الكابوس و كانت المحاولات لفرض مفاهيم و مباديء الحرية و الديمقراطية رغم انف الاحتلال ,,,و بعد اتفاق اوسلو و انشاء السلطة الوطنية الفلسطينية تنفس الشعب الصعداء ,,,ها نحن على اول درجات سلم الحرية و التحرر و سنفعل الحريات و نمارس الديمقراطية ,,,فنحن الشعب الذي كسر الحواجز و تحدى جلاديه و قام بملحمة انتخابات 1976 للمجالس المحلية افرزت شخوصا وطنية محبة لبلدها ادارت بلدياتها و خلقت نوع من الحكم الوطني فاصبحت رموزا تكسر على عتباتها محاولات تشكيل روابط القرى و تحدت الاستيطان في بداياته ,,, و المهم ان هذه الانتخابات كانت ديمقراطية بالكامل و كان هذا قبل اربعون عاما و تحت حراب الاحتلال ,,, و الآن و بعد اربعة عقود نسمع من يقول اننا لسنا جاهزين للديمقراطية !! و في الحركة الطلابية لا اذكر مرور سنة واحدة دون ممارسة حقنا في انتخاب المجالس الطلابية و كانت ديمقراطية بشكل مذهل و تتخللها الحملات الانتخابية و لا سيطرة اوسطوة لاحد عليها حتى الاحتلال بجبروته وقف عاجزا عن منعها او التأثير عليها ,, و الآن فجامعة النجاح مثلا اضافة لجامعات غزة لم تشهد الانتخابات منذ سنوات .
نعم نحن شعب جاهز للممارسة الديمقراطية و يعي مصالحه و اهدافه فلا تحاولوا تشويه هذا الوجه ,,من مارس الديمقراطية في ظلام الاحتلال الحالك يستطيع تنفيذها الآن و لكن ابعدوها عن التدخلات المباشرة و غير المباشرة في الضفة و القطاع ,,,و ابعدوها عن الاحتكار الفتحاوي الحمساوي ,,, و ابعدوها عن المناكفات السياسية و حالة الانقسام ,,قبلت حماس في الانتخابات و المشاركة فيها و اصبحت مطلبا ملحا لها رغم اننا لم نر اي انتخابات في القطاع منذ 2007 ,,, وشجعت فتح اجرائها ضمن تصور ان الساحة خالية و ان الملعب لها فقط ,,,و عين الموعد الثامن من شهر اكتوبر القادم موعدا مقدسا لا عودة عنه و قيل انه مطلب ملح من الاوروبيين و ان القرار محكوم باعتبارات غاية في التعقيد ,, و في لحظة تراجعت الرباعية الدولية و ظهرت رباعية عربية في سباق تتابع سلمت فيها العصا ,,,فاصبح الحديث عن تأجيل الانتخابات و المصالحة الفلسطينية الداخلية باشكالها المتعددة ,,,فتحاوية فتحاوية و فتحاوية حمساوية ,,,و توسع الحديث ليشمل حل القضية و احياء المبادرة العربية و استعملت سياسة العصا و الجزرة من قبل الرباعية العربية ليعلو الرد بالعودة للتركيز على القرار الوطني المستقل ,,, و اول النتائج القبول بلقاء موسكو و كأنه رد فعل او قفزا على الضغوطات ,,, و اول الضحايا ,,,الانتخابات البلدية و تأجيلها ’’ وبامر قضائي غاب عن الكثير من القضايا الوطنية و المجتمعية و الاقتصادية .
نحن شعب جاهز للديمقراطية و نشدد على حقنافي ممارسة حقوقنا المدنية و من اهمها حق الترشح و الانتخاب و مجالسنا المحلية في امس الحاجة للتغيير و ضخ الدماء الجديدة ,, و نعي تماما ان امورنا الداخلية ليست على ما يرام و نعلم ان الاحتلال يتربص بنا و يكيد و يحاول تقويض السلطة المركزية لجعلها مقصورة على التجمعات السكانية في تقويض الحكم المركزي وفصل الكانتونات عن بعض بعد عزل غزة لانهاء القضية الوطنية ,,, نعي ذلك كله و لا مصلحة لاي وطني في هذا السيناريو بل يجب ان يكون على اعلى درجات الاولوية في احباطه و محاربته ,,, و لكن الرد عليه يكون في ارساء قواعد الحرية و الديمقراطية و اعادة اللحمة المجتمعية و الوطنية و هذا يشكل اقوى سلاح في مواجهة المشاريع التصفوية ,,,و الديمقراطية سلاح فعال ان اجدنا استعماله و بالتأكيد ان شعوبنا و مباديء الديمقراطية عوامل بناء و ليسوا عوامل هدم .
سامر عنبتاوي
9-9-2016