الرئيسية / الأخبار / دولي
التعايش الإسلامي المسيحي قي فلسطين خيار استراتيجي
تاريخ النشر: الأحد 11/09/2016 15:56
التعايش الإسلامي المسيحي قي فلسطين خيار استراتيجي
التعايش الإسلامي المسيحي قي فلسطين خيار استراتيجي

 كولالمبور - 

أظهرت دراسة علمية أجراها الباحث الإعلامي إبراهيم صقر الزعيم بعنوان (التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين في بيت المقدس ما بين 1897-1994: مظاهره وآثاره وتحدياته) أن التعايش الإسلامي المسيحي في فلسطين هو خيار استراتيجي، عند القاعدة الشعبية، والنخب الفكرية، لا يمكن التفريط به، أو العدول عنه، ذلك أنه أرقى ما أنتجه التراث الحضاري العربي، المستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية ومن الكتاب المقدس.

وقال الزعيم في دراسته التي حصل بموجبها على درجة الدكتوراه من قسم التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة مالايا الماليزية، قبل عدة أيام، أن الهجرة المسيحية شكلت أحد أبرز التحديات التي تواجه التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين، سيما أنها تسبب خللا في تركيبة المجتمع العربي في القدس، مما يؤدي إلى شرخ في جدار الصمود العربي في المدينة، ورغم وجود محاولات مسيحية لوقف هذا النزيف المستمر، إلا أنها تبقى دعوات، لم ترتق بعد إلى برامج عمل.
 
وجاءت الدراسة في فصل تمهيدي وخمسة فصول، الفصل التمهيدي : التعايش السلمي في الإسلام، أما الأول: المكانة الدينية لبيت المقدس عند المسلمين والمسيحيين، والثاني: التعايش السلمي المجتمعي (الديني والاجتماعي والفكري) بين المسلمين والمسيحيين في بيت المقدس، أما الثالث فعنوانه:التعايش السلمي السياسي بين المسلمين والمسيحيين في بيت المقدس، والرابع: تحديات وآثار ومستقبل التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين في بيت المقدس، والخامس: الخاتمة.

وأوردت الدراسة أن تأسيس الجمعيات الإسلامية المسيحية في بيت المقدس كان نقلة نوعية في العمل السياسي المشترك، فكان لها مساهمة فاعلة في توحيد الصف الوطني، وتوجيه العمل الوطني العام في السعي للاستقلال والتصدي للصهيونية. كما أظهرت أن تعايش المسلمين والمسيحيين كان مؤسسا على قاعدة إخلاص كل فريق للآخر، ومما يدل على ذلك الإخلاص، أن المسيحيين العرب قاطعوا المؤتمر التبشيري الثاني، الذي عقد عام 1928 في القدس، بل إنهم تخذوا مجموعة من الإجراءات مع المسلمين وفي مقدمتهم الحاج أمين الحسيني لإفشال المؤتمر، وهذا ما تم بالفعل.

وتبين من نتائج الدراسة أن التعايش الاجتماعي بين المسلمين والمسيحيين في التواد والتراحم، تجلى في الزيارات على مستوى النخبة في الحركة الوطنية، ففي عام 1919م زار الحاج أمين الحسيني بيت خليل السكاكيني (مسيحي)، وتم خلالها تباحث أحوال فلسطين. كما عمل عرب القدس بكل طاقتهم من أجل الحفاظ على أراضيهم، ومنع تسربها لليهود، فقد أعلنوا في غير مرة تمسكهم بأرضهم والدفاع عنها، وهذا هو الذي أعلنه مطران الروم الكاثوليك غريغوريوس حجار، في خطاب ألقاه أمام الشريف حسين عام 1924م، قال: "نحن نصارى فلسطين عرب نتمسك بأرضنا وندافع عنها، ونحن سكان الأرض الأصليين...".

وأوردت الدراسة أن المرأة الفلسطينية (المسلمة والمسيحية) شاركت في مسيرة النضال على كافة الأصعدة، فبدأت بالمقاومة السلمية، ثم انتقلت إلى العمل الخيري والاجتماعي، ثم شاركت في الانتفاضة ضد المشروع الصهيوني عام 1933، وفيها أظهرت نساء القدس وعيا كبيرا، حيث جسدن أبهى صور التعايش إذ ألقت الرائدة "ماتييل مغنم"، (مسيحية)، خطبة من منبر مسجد عمر، وعند القبر المقدس ألقت الرائدة "طرب عبد الهادي"، (مسلمة)، خطبة أمام مقبرة المسيح.

كما لم يقتصر تنفيذ العمليات الفدائية على المسلمين، وإن كانوا هم الأكثرية التي تمارس العمل المسلح، ففي عام 1947م شارك المسيحيون في العمليات الفدائية، ومن هؤلاء أنطون داود، الذي نجح بالتنسيق مع القائد عبد القادر الحسيني، في تفجير دار الوكالة اليهودية، كما أن المطران هيلاريون كابوتشي، اعتقل عام 1974م نتيجة مواقفه المناهضة للاحتلال، ووجهت له تهمة تهريب السلاح للمقاومين الفلسطينيين في صندوق سيارته، وأبعد خارج فلسطين.

وأوصت دراسة الدكتور الزعيم بمحاولة الحد من هجرة الشباب، وخاصة المسيحيين، وذلك من خلال تأسيس مشاريع اقتصادية وثقافية ورياضية. وإبقاء حالة التواصل بين المسلمين والمسيحيين على المستوى الشعبي والقيادي، وفي كافة المجالات؛ وذلك لحل أي خلاف أو سوء فهم، وبحث سبل مواجهة الإجراءات الإسرائيلية لتهويد المدينة.

كما أوصت بالتصدي للتدخل الغربي في القدس، وهذا لا يتأتى إلا بتوفير موارد مالية غير مسيسة للقدس، هدفها دعم صمود المقدسيين، وتوأمة المؤسسات المقدسية مع مثيلاتها في العالم العربي والإسلامي. وتعزيز روح السماحة بين المسلمين والمسيحيين في القدس، من خلال تسليط الضوء عليها في وسائل الإعلام المحلية والعربية والإسلامية. ونشر التوعية بقضية التعايش السلمي في القدس، في المناهج التعليمية في الدول العربية والإسلامية؛ من أجل استنساخ هذه التجربة الفريدة في الدول الأخرى، التي تجمع بين أسوارها ديانات متعددة.   

ويقول الباحث الزعيم أن أهمية هذه الدراسة تكمن "في أنها تبرز سماحة وعدل الإسلام، فإذا أردنا الدفاع عن الإسلام من التهم التي يوجهها له الغرب بالإجرام والإرهاب وسفك الدماء، فنحن أمام أسلوبين: فإما أن نرد بعبارات عاطفي، قد يرافقها التشنج، وإما أن نرد بتقديم نموذج واقعي، وهو كذلك ليس من تجارب الماضي، وإنما تجربة حاضرة، ما زالت آثارها الحضارية قائمة، وهذا ما تقدمه هذه الدراسة".

ويضيف أن تجربة التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين في بيت المقدس، تجربة فريدة جديرة بالبحث والدراسة، ذلك أنها تنمو في واقع سياسي معقد، فعلى الرغم من التضييق السياسي والاقتصادي،الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولاته الدائمة لإفساد العلاقة بين الطرفين، إلا أن أبناء الديانتين لم يقتتلوا، بل إنهم قدموا مثالا راقيا للتعايش والتسامح، ونجحوا في تعزيز قيم التفاهم والشراكة.
 


 المركز الفلسطيني للإعلام
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017