بقلم: أ. أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
أدركت الدول الأوروبية أن أمنها لم يعد مقتصراً على بعده الداخلي، كما لم يعد يقتصر على الحدود الجغرافية بين بلدان متجاورة، بل أصبح مفهوماً يتسع ليشمل مجمل المحيط الـــ (جيوسياسي) (الجيوبوليتيك)، ما يعني أن عدـم استقرار الدول المجاورة للاتحاد الأوروبي سوف تنعكس آثاره السلبية بشكل واضح ومباشر عليها. وأدركت كذلك أن مصالحها باتت مختلفة مع المصالح الأمريكية في المنطقة العربية المطلة على البحر المتوسط، وتأكد هذا الاختلاف من خلال التهميش الذي قصدته الولايات المتحدة الأمريكية للدور الأوروبي في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. وكانت أوروبا قد بدأت في عملية واسعة من أجل تقييم سياستها مع الدول المجاورة لها والمؤثرة فيها، وخاصة تلك الدول المطلة على شرق البحر المتوسط وجنوبه، وبدأ ذلك واضحاً في بيان قمة المجلس الأوروبي الذي عقد في لشبونة خلال حزيران / عام 1992 متضمناً التأكيد على أن الضفتين الجنوبية والشرقية للبحر المتوسط تشكل مناطق جغرافية يرتبط فيها الاتحاد الأوروبي بمصالح حيوية، تتمثل في الحفاظ على الأمن والاستقرار في تلك المناطق.
كما دعا المجلس الأوروبي الذي عقد باليونان خلال تموز / عام 1994 اللجنة الأوروبية لوضع ورقة عمل حول المبادئ الأساسية لسياسة أوروبية متوسطية، وفي كانون الأول / عام 1994 أقرت القمة الأوروبية التي عقدت في ألمانيا ورقة العمل المقدمة من اللجنة الأوروبية للاتحاد التي أعدت لتضع أساساً عاماً لسياسة أوروبية متوسطية.
ونتيجة للتهميش الأمريكي لدور الاتحاد الأوروبي في العملية السلمية في الشرق الأوسط، بدأت انطلاقة جديدة للاتحاد الأوروبي تجاه الشرق الأوسط من خلال المؤتمر الذي أنعقد في برشلونة في شهر تشرين الثاني / 1995 إذ حاول الاتحاد الأوروبي، الذي غيب عن مشروع الشرق الأوسط الذي دعمته الولايات المتحدة ’’إسرائيل’’، الذي وجد نفسه خارج إطار أي دور له في القضية الفلسطينية، أن يطور علاقته مع الدول العربية من خلال مشروع الشراكة لدول المتوسط، لكي يؤمن له لعب الدور الذي يريده في الشرق الأوسط على أساس أن الشراكة سوف تحقق لأوروبا الفرصة لإعادة رسـم الخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط من خلال لعب دور في عملية السلام، تتناسب مع موقعه ومصالحه في المنطقة، خاصة أن أوروبا تعتمد بشكل كبير على النفط العربي.... لهذا فقد دعا الاتحاد الأوروبي الدول العربية المطلة والقريبة من البحر الأبيض المتوسط، إلى عقد مؤتمر في العاصمة الكاتلانية برشلونة في / 27 - 28 تشرين الثاني 1995، وتمخض المؤتمر عن التوقيع على اتفاقية الشراكة للبحر المتوسط، للتعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ووقع عليها إلى جانب الاتحاد الأوروبي كل من مصر والأردن وسوريا ولبنان والسلطة الوطنية الفلسطينية والمغرب وتونس والجزائر وتركيا وقبرص ومالطة و’’إسرائيل’’، وعلى الرغـم من أن الاتفاقية على الصعيد الاقتصادي، إلا أنها أتاحت كذلك تقوية الموقف العربي–الأوروبي على الصعيد السياسي، وخاصة الدور الأوروبي في دعم مسيرة السلام، وتقديـم الدعـم الاقتصادي للسلطة الفلسطينية، وتدجين الموقف الإسرائيلي المعادي للدور الأوروبي.
وسعى الاتحاد الأوروبي من خلال الشراكة الأورو–متوسطية، إلى دمج (إسرائيل) في محيطها، بحيث تندمج مطمئنة إلى هوية نصف شرق أوسطية ونصف أوروبية، كما تحقق أوروبا، وخصوصاً فرنسا وألمانيا، رغبتها في إضعاف وجود الولايات المتحدة الأمريكية ودورها في الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وفي إبقائها بمنأى عن أثارها الاقتصادية والثقافية والعسكرية وبالتالي السياسية.
ونتج عن اتفاقية الشراكة الأور-متوسطية، زيادة الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للقضية الفلسطينية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، حيث كانت السلطة الفلسطينية أحد أطراف الاتفاقية، وبالتالي أدى ذلك إلى اعتراف الاتحاد بحق الفلسطينيين بأن يكون لهم كيان مستقل، له شرعية التوقيع على الاتفاقيات التي تدعم قضاياهم، وتجعل منهم دولة شرق أوسطية على اتصال بالمنظومة الأوروبية.
إن مخاطر مشروع الأورو–متوسطية على الأمن القومي العربي تبدو جلية، من خلال تعامل الاتحاد الأوروبي مع الدول العربية كل على حدة، وتقطيع أوصال الوطن العربي الواحد، وتكون (إسرائيل) صاحبة الامتياز والقادرة على فرض الشروط التي تتماشى مع سياستها، فالسياسة الأوروبية لا تختلف عن السياسة الأمريكية من حيث النفعية والتحيز لــ (إسرائيل) وازدواجية المعايير، فاستبعاد ليبيا وهي دولة متاخمة للبحر المتوسط، وضم الأردن وهي دولة غير متوسطية إلى النظام الإقليمي لدليل قاطع على أن تحديات كبيرة تواجه مستقبل الأمن القومي العربي.
بالإضافة إلى ذلك فإن العرب لـم يحققوا أهدافهم من هذه الشراكة، بسبب عدم الوصول إلى صيغ من التفاهم مع الأوروبيين، لأنه من الصعب أن تكون الشراكة فعاله في ظل ظروف عدم التكافؤ والتوازن بين أطرافها لاسيما في ظل وجود طرف عربي ضعيف، وما يترتب على هذا الضعف من سلبيات تحول دون الشراكة الحقيقية المطلوبة.