د. خالد معالي
بعد أن شكلت الثورات المضادة، ومن بينها الثورة المضادة للسيسي على الإخوان المسلمين نجاحا – مؤقتا - وقام بقتل آلاف منهم وسجن عشرات آلاف آخرين؛ توقع الجميع أن لا تقوم قائمة بعد ذلك للإخوان المسلمين، وان عصرهم ونجمهم؛ قد خبا وذهب بلا رجعة؛ ليتفاجأ العالم بعودتهم وتعافيهم من ضربات الثورة المضادة في العالم العربي وفوزهم في الانتخابات المغربية، وقوة حضورهم في تركيان، ودول أخرى.
يعود الفضل في بقاء وعودة الإخوان من جديد؛ لما يحملوه من أفكار وعقيدة ومبادئ جوهرها الإسلام، الذي لا يمكن القضاء عليه بانقلاب وضربة مضادة هنا أو هناك؛ مهما أوتيت من قوة وجبروت، فمن يحمل فكر ومبدأ وعقيدة سليمة وقوية لا يمكن بسهولة القضاء عليه، فالفكر والمبدأ على مدى التاريخ؛ كان يحارب ويعالج بالفكر والمبدأ؛ وليس بالقتل والتعذيب والسجون والثورات المضادة.
هناك من يقول أن الإخوان أخفقوا ولم يستطيعوا تلبية مطالب الجماهير العربية وتحقيق طموحاتها، وهذا الكلام بحاجة لمراجعة بسيطة؛ فالإخوان لم تتاح لهم فرصة أصلا كي يلبوا طموحات الجماهير في مصر، وعلاج مئة عام من الفساد في مصر لا يصلحه عام من حكم الإخوان!
السيسي؛ وبرغم دمويته ونجاحه في ثورته المضادة؛ قدم هدية للإخوان المسلمين؛ من حيث لا يدري بانقلابه الدموي عليهم؛ فلا يمكن لأي عاقل في الدنيا وصاحب ضمير؛ أن يقبل بانقلاب على حركة انتخبت ديمقراطيا، وان يودع رئيسها وعشرات ألاف آخرين في السجون ويقتلوا ويهجروا ويطردوا في منافي الأرض؛ وهو ما شكل مادة إعلامية قوية ضد السيسي وداعميه، واستفاد منه الإخوان على المستوى العربي والعالمي.
بالنظر إلى الحركات والأحزاب التي تعج بها الساحة العربية والإسلامية؛ فان مدارسها الفكرية المختلفة لم تصمد كما صمدت مدرسة الإخوان المسلمين الفكرية والحضارية؛ فقد ذهب جمال عبد الناصر؛ بعد أن اخفق في كافة المجالات ولم يحقق انجازات تذكر؛ تبقى وتستمر، وقتل منهم ما قتل وشتتهم في منافي الأرض على شاكلة السيسي، وبعد سنين عادوا من جديد؛ فيما ذهب الفكر الناصري الاشتراكي إلى غير رجعة، ولم يبقى منه سوى الاطلال وجر اللعنات والخيبة.
سواء استلم الإخوان الحكم بشكل اكبر في العالم العربي أو لم يستلموا؛ فان العداء لهم هو أمر عادي جدا؛ فلا يمكن نشر دعوة وتخليص الإنسانية من ظلمها وجهالاتها؛ على طبق من ذهب، ولا بد من التضحيات؛ لكن على أن لا تكون مجانية؛ بل مدروسة لتحقيق الهدف المرجو منها وبأقل الخسائر.
صناعة أحزاب أو جماعات وهمية وفبركة الأحداث والقصص؛ ما عاد يجدي نفعا؛ في عالم تطورت فيه وسائل الاتصال بشكل كبير جدا؛ وصار نقل المعلومة واثبات صحتها وصدقيتها؛ يتم خلال ثواني أو دقائق معدودة، وبالتالي خسارة السلاح الأكبر والفعال على مدى التاريخ لقوى الشر والظلام .
في المحصلة؛ الإخوان المسلمين ليسوا بصنم يعبد؛ فهي مدرسة فكرية متنورة ومتحررة من قيود الجهالات، وتعمد إفشالها ثبت عدم جدواه، وان نجحت فلها وللبشرية جمعاء؛ وان فشلت فخسارة فادحة، يدفع ثمنها العرب والمسلمون والعالم من خلفهم، كما رأينا من عينة صغيرة بما جرى من ثورة مضادة في عدد من الدول العربية؛ حيث القتل والمجازر وإهدار الأموال خشية استلام الإخوان للحكم، والخشية من إصلاح أمر الشعوب، وفضح حكمها الظلمة الدكتاتوريين؛ وفي كل الأحوال لننتظر ونرى تجربة الإخوان في الحكم وتطوير الشعوب!؟