وهم الدولة !! نحن مخطئون ..
عبد اللطيف محمد اشتيه
نوماً عميقاً لنستيقظ ونجد انفسنا نمتلك دولة ، ولم تسير الامور وفق ما هو طبيعي حتى نكون كما نحن الان ، ولم نقع لفترة وجيزة تحت حكم الانتداب ونعلن استقلالنا بعد سيل من التنازلات ، لسنا ذلك البلد الذي أوجد فقط لمصالح بلدين اكبر منه ، ولم نوفق بإيجاد قطعة ارض لا صاحب لها صالحة للعيش واستوطنا بها ورفعنا العلم معلنين اكتسابنا لها ، لا وألف لا ، نعم نحن استثناء ولا نشبه احد فشعبنا أصيل على هذه الارض منذ ثلاثة الاف عام ، حضارات وحضارات تعاقبت كي تشكل مجداً تاريخياً لم يبلغه الا نحن عبر السنون ، واحتلال يعقبه احتلال تجسد على ارضنا ولقرون من الزمن وفي نهاية المطاف اندحر ، لم يفقدنا كل ذلك هويتنا المتجذرة في قلب الارض التي لم ولن تتكلم الا لغة واحدة هي العربية ، لا ادري هل اقنعنا ام اقتنعنا بمحض ارادتنا ان تاريخنا يبدأ من تاريخ نكبتنا !
هذا هو الوهم بأم عينه ، وهذا السراب الذي حتماً سيزول ، وهذه الجملة المعترضة التي لا تحتاج لأكثر من جرة ممحاة كي لا تكون .
ان تاريخنا المعاصر متوج بأنبل ظاهرة وجدت لتبقى ، ثورتنا التي هي امتداد لكل تمرد وهبة وعصيان واضراب وقتال وتفاوض ومقاومة علّمت العالم اسس المبادئ ولقنت الشعوب المضطهدة كيفية انتزاع الحق لأصحابه .
ما نحن عليه الان لا يستوعبه العدو والصديق والشقيق والحليف ، لننظر جيداً الى الواقع ونتمعن به اشد تمعن ، ارض - ولو شبر واحد - شعب ، مؤسسات امنية وعسكرية وشرطية ، بنية تحتيه اكثر تطوراً من دول الجوار ، نظام صحي ، نظام تعليمي ، قانون وقضاء ، وزارات ومؤسسات ومنظمات ، صروح علمية عملاقة حصلت على الآيزو الدولي ، بنوك ومصارف عالمية واقليمية ووطنية ، شبكة طرق ونظام مواصلات جيد، حتى مبنى رئاسي بطراز عالمي لدينا ، سفارات وقنصليات وممثليات لمعظم دول العالم ترفرف اعلامها فوق ارضنا ، الاستثمارات والتطور يسير بسرعة قياسية ، مكاتبنا في كل قطر عربي اسيوي افريقي اوروبي امريكي تمارس نشاطها كما مثيلاتها ، لنا حلفاء ونحن جزء من تحالفات ، نمارس السياسة ، احزاب وحركات ، يسار ويمين ، اعياد ومناسبات وطنية ودينية وانسانية ، كل ذلك وهناك احتلال جاثم على صدورنا منذ سبعة عقود يحاول بكل قوة ان يزيل وجودنا ، لست أبالغ بشيء هذه حقيقة نلمسها ونعيشها يوماً بيوم ، نعلم ان كل شيء ذكرته تسيل عليه الاف المحابر مدونة ملاحظات وتعليقات واعتراضات ، ونعي تماماً ان هناك خلل بين وجليّ الوضوح ، ولكن ...
نحن اصحاب قضية وحلم ، واخر شعب واقع تحت نير اطول احتلال في التاريخ ، نكافح منذ عقود للتحرر منه ، جربنا كل الوسائل والطرق ، تحدينا الواقع وحلمنا بالمستقبل ، كنا وما زلنا نبتكر ونحصل على براءات اختراع في كيفية مواجهة هذا الاحتلال .
قبل العام ٩٣ كنا نعيش واقعاً ابرز ما فيه ان قوت يومنا كان يذهب جله ضريبة للاحتلال ، والان عملنا على تكرير ذلك لتتحول الضريبة الى راتب او تمويل بناء مدرسة او اقامة مؤسسة او تعبيد طريق ، الواقع يقول اننا نمتلك كل مقومات الدولة باستثناء احتلال وبعض الاخطاء التي تصحيحها ليس هينا وايضاً ليس صعباً .
هناك فساد اداري ومالي وووو الخ ؟؟ حسناً من يسمي لي اسم دولة لن اقول عربية وانما اوروبية طاهرة من الفساد ، هناك خلل في المنظومة ككل ؟ نعم وايطاليا كذلك ، عجز مالي ونهب واختلاس ؟ اليونان كادت ان تكون ضرباً من الماضي .
هل قضائنا ليس بقضاء وليس بعادل ومسيس وو ؟
ستة الاف سنة عمر مصر وقضائها حدث ولا حرج ، ومن سن اول قانون في التاريخ بلا عراق الان ، الواسطة والمحسوبية بشكل كبير ؟ انظروا الى الاردن وكلكم يدرك ما اقول ، اما بالنسبة للنهب والسرقة فحاولو ان تحصوا كم الصفقات والعمولات التي تذهب لحسابات خاصة في السعودية ، وكلها دول .
نعم نحن لدينا دولة اعلن استقلالها من هناك بلد المليون ونصف المليون شهيد ، واعترف بها العالم في اليوم التالي ، تهزئون بالهالة الاعلامية التي لحقت موضوع تقديم ذاك الصهيوني في الامم المتحدة لممثلنا بممثل دولة فلسطين ! فقط لمجرد النقد والاعتراض وقول " لا " بملئ الفيه ! اما ابعاد ذلك وما سبقه وما قد يلحقه لا تكترثون به ، فهمنا اولاً واخيراً النقد والنقد ثم النقد .
دولة فلسطين على حدود ال ٦٧ ؟ نعم والف نعم المهم اننا على ارضنا وليس مطية للقريب قبل البعيد يسيرنا ويقودنا كالخراف حسب هواه وتاريخنا في الاردن ولبنان وسوريا ليس ببعيد .
هنا الارض لنا والسماء سماؤنا والبحر لنا والنهر يسري في عروقنا وان كان هناك شبح اسود يدعى احتلال نحن من اعطاه اكبر من حجمه وعظمناه وهو بكل بساطة تهتز جميع اركانه بمجرد اطلقت رصاصتين من فلسطيني حر في قدسنا !
لا تحجمو سلسلة دماء ابناء فلسطين اللامنتهية في شخوص هم على ظهور خيلها اليوم وغداً اموات تحت التراب ، فالباقي اذن هو فلسطين الارض والهوية والتاريخ .