خلال الأسبوع الماضي كان هناك حدثان ثقافيان مهمان في فلسطين. الأول: معرض الكتاب الدولي التاسع تحت عنوان "دولة فلسطين، القرار والإصرار" الذي تنظمه وزارة الثقافة، ويستمر المعرض حتى 20 نيسان بمشاركة واسعة من قبل دور النشر المحلية والعربية في مركز الطفولة بمدينة البيرة، وكانت دولة المغرب ضيف الشرف. الثاني: افتتاح فعاليات مهرجان فلسطين الدولي للرقص المعاصر في دورته التاسعة، والذي يقام خلال الفترة ما بين (14-29) من نيسان الجاري بمشاركة فرق فنانين عرب وأجانب، وبتنظيم من قبل سرية رام الله الأولى.
يجب أن أشكر القائمين والعاملين وجميع من ساهم في إنجاح المعرض والمهرجان، وبقوة أستطيع القول اعتماداً على مشاركتي في السنوات السابقة بأن هناك عملية بناء وتراكم للتجارب يتم الاستفادة منها بشكل واضح في الإطار العام للعمل بحيث يعكس نضوج ذلك على الصورة العامة لمشهد الحدث نفسه، على الرغم من وجود ثغرات بسيطة هنا وهناك لكن لا يؤثر ذلك في العملية الإنتاجية. الأسبوع الماضي حاولت تقسيم ذاتي من حيث التواجد الزمني والمكاني بين المعرض والمهرجان قدر المستطاع، لهذا جاء الوقت الآن على وضعهما_المعرض والمهرجان_ في خرم الإبرة من خلال رؤية العمل بمفهومه الشمولي والمقارن بعض الشيء وليس نقدي للحدث ذاته.
الرقص والكتاب، عناصر مهمة للغذاء الجسدي والروحي والعقلي، ومع هذا كله نجد بأن هناك حالة ابتعاد نسبية يبررها البعض بأنها "أشياء" ثانوية ومكملات غير أساسية ضمن الواقع الفلسطيني الحالي، فهناك من يقول بأن الخبز قبل الكتاب والرز قبل الرقص، والغريب بالأمر أن من يقول ذلك هم من المستويات فوق المتوسطة ومن هم أقل من ذلك تجدهم يبحثون عن الكتاب والرقص وبناء معرفة لا تقدر بثمن. وهناك _وهم كثر_ من يرفض الرقص والكتاب بناءً على عامل الوقت بأن الحياة تسرقه الى أعمالها العملية ولا وقت لقراءة ورقة أو مشاهدة راقص/ة، هؤلاء تجدهم في كل الأوقات كما هم صنم ثابت غير متحرك يتحدث عن الملل ويبقى يلعنه في كل مكان من البيت وحتى المقهى وأنه محصور في سجن!!
فضاء المعرض والمهرجان، ثبات المعرض بثبات الكتاب وتحرُك المهرجان بتحرُك الجسد. بحيث كان المهرجان هذا العام كراقصيه يتمتع بلياقة حركية للجسد المكون للأنشطة المختلفة على صعيد المحافظات أو على صعيد رام الله ليس فقط بنشاط خارطة الجسد الذي تم تنفيذه في عدد من المؤسسات الثقافية، وإنما أيضاً بالأنشطة اللامنهجية التي خارج البرنامج الرسمي للمهرجان بحيث اطلاع الراقصين/ات العرب والأجانب على الفضاء الفلسطيني خارج خشبة المسرح كشعب تحت الاحتلال، لهذا تم رؤية المسرح الواقعي للشعب الفلسطيني. أعتقد أن معرض الكتاب بالمفهوم التقليدي وبشكل عام يبدو بحاجة الى مراجعة باتجاه المزيد من الحرفية والابتكار والتجديد في المحتوى الهيكلي البنائي للمعرض، بالأخذ بالاعتبار الواقع الجغرافي المكاني الفلسطيني، وهنا نقطة تسجل لمعرض فلسطين الدولي للكتاب بأنه أيضاً اشتبك من حيث الحركة مع المجتمع خارج المعرض وداخله من خلال العروض الفنية والأمسيات الشعرية المحلية والدولية.
بالتوازي مع ما ذكرت يجب الإيمان بقيمة وأهمية هذه التظاهرات الثقافية من حيث الحركة خارج إطار المعرض أو المهرجان من حيث الحيز المكاني والعمل أكثر على توفير المزيد من الموارد والإمكانيات لتحسين مستوى ومحتوى هذه الحركة جسداً وكتاباً.
وهنا يجب الإشارة والإشادة بأن المعرض والمهرجان اقتحم أيضاً العالم الأكاديمي لما فيهما من ندوات فكرية وتطبيقية وعروض ومناقشات وتفاعل من خلال ورش العمل، فضلاً عن عملية اختيار النصوص سواء مكتوبة أو حركية من المشاركين/ات، والتي تأتي ضمن آلية للدراسة والبحث عن الفكرة والنص والحركة وتجارب مختلفة من حيث الإنتاج الثقافي، الأمر الذي يقود إلى اشتباك فكري مع المختصين كل في مجاله من حيث الرواية، الرقص، القصيدة، الغناء وحتى شمولية المشهد الثقافي على الصعيد الفلسطيني العربي والعالمي.
العمل الجامعي بالمشاركة والإشراك من أجل خلق الحدث هو أهم ميزة لإنجاح أي تظاهرة ثقافية، وهذا ما تم بنجاح من حيث العمل المؤسسي المحلي من جهة وعلى الصعيد الدولي من جهة أُخرى في حالة المهرجان والمعرض. الغريب بالأمر أن هذه الروح الإيجابية في العمل على الصعيد المؤسسي كان ناجحاً بدرجة الامتياز، لكنه لم يعكس ذلك من حيث حالة الطرد الفردية النسبية المتمثلة "بالمثقف" الفلسطيني باستبعاد نفسه بنفسه بقرار أو دون قرار بعدم انخراطه بهذه التظاهرات الثقافية، فالبعض كان غائباً والبعض شارك رفعاً للعتب، والقليل كان كما يكون أهل العريس في العرس!!
للتواصل:
بريد الكتروني: mehdawi78@yahoo.com
فيسبوك: Rami Mehdawi