قرأت خبراً بعنوان "الشرطة تشغل مركز الشرطة المجتمعية المتنقل الأول في بلدة باقة الشرقية بطولكرم"، أعجبتني الفكرة فقررت التواصل مع الصديق المقدم فريد لدادوه منسق الشرطة المجتمعية للاستفسار عما يقومون به، لهذا أود في هذا المقال أن أقول شكراً والى الأمام في خدمة الوطن والمواطن لمن هم خلف الفكرة الجديدة على الساحة الفلسطينية تحت شعار الشرطة المجتمعية، وأيضاً تعريف القارئ بماهية الفعل والرؤيا والأهداف لها.
الشرطة المجتمعية؛ أسلوب للعمل الشرطي الموجه للمجتمع ويوصف عادة بأنه سياسة وإستراتيجية تهدف إلى تحقيق سيطرة أكثر كفاءة وفعالية على الجريمة، وخشية اقل من الجريمة، ونوعية حياة أفضل، وخدمات شرطية متميزة، وتتمتع من خلاله الشرطة بالشرعية بالاعتماد الاستباقي على موارد المجتمع والسعي إلى تغيير الظروف المسببة للجريمة.
جاء قرار قيادة الشرطة الفلسطينية بتقديم افضل الخدمات للجمهور الفلسطيني كنقطة انطلاق لمشروع التحول نحو العمل الشرطي المجتمعي، حيث بدأ العمل بدراسة احدث اساليب العمل الشرطي في العالم واكثرها فاعلية، وكانت الشرطة المجتمعية هي الاسلوب الذي حقق اكبر الانجازات في السيطرة على الجريمة واعتمد من قبل كافة مؤسسات الشرطة في العالم.
قامت الشرطة الفلسطينية بتدريب طواقم واعداد مدربين ومدربي مدربين، وعملت على انجاز تقييم مؤسسي وتقييم مجتمعي اهل هذه الطواقم لتبدأ العمل من ارضية صلبة ومدروسة وبناءً على خطط ومنهجيات تهدف الى تعميم مفهوم العمل الشرطي المجتمعي على كل منتسبي الشرطة الفلسطينية.
الشرطة المجتمعية ليست ادارة او تخصصا في الشرطة الفلسطينية، وانما هي سياسة وإستراتيجية تهدف بالانتقال بالشرطة من الادوار التقليدية؛ الى ادوار أخرى أكثر تقدماً مبنية على الشراكات وفي مستويات وقائية واستباقية للحد من الجرائم ومنع وقوعها والحفاظ على رفاهية وأمن المجتمع.
والشرطة المجتمعية لا تقتصر على ادارة في الشرطة دون غيرها، بل يجب على كافة الادارات والمراكز دون استثناء الانخراط في اعمال الشرطة المجتمعية، وبذلك يصبح كل الضباط وصف الضباط والأفراد مشاركين أساسيين في الانشطة والفكر الشرطي الجديد.
وكذلك فانه كما يوحي الاسم فان ما يميز العمل الشرطي المجتمعي هو اعتماده على المجتمع ذاته. لا تستطيع الشرطة عمل الكثير لخفض مستويات الجريمة إذا لم يتم إيجاد الحلول الصحيحة للتوترات والصراعات الاجتماعية والثقافية.
في واقع الأمر لو كانت الشرطة كاملة الجهوزية لا يمكنها تحقيق التزامها بحل المشكلات ذات الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، وفي هذه الحالة تستمر المشاكل الكامنة في المجتمع في إحداث الظروف التي تولد السلوك الجنائي، وبذلك يطلب من الشرطة التعاون مع كافة الجهات المتاحة لمساعدة المجتمع في حل مشكلاته حتى تلك التي ليس لها علاقة مباشرة بالبعد الجنائي.
من هنا وبناء على ما سبق بدأت الشرطة الفلسطينية العمل الميداني نحو التحول لهذا الاسلوب العصري في العمل، وكانت الانطلاقة في محافظة جنين، وبدأ العمل تجريبيا في اربعة من مراكز الشرطة المجتمعية هي ميثلون وجبع وعرابة واليامون. واستمرت مرحلة التجريب ستة شهور انتهت بتقييم اظهر النجاح الحقيقي لهذه المراكز في مهمتها، والتي عززت العلاقة مع الجمهور ومؤسسات المجتمع وتوجتها بتوقيع 52 مذكرة تفاهم مع كافة المؤسسات الفاعلة في مناطق اختصاص مراكز الشرطة المجتمعية.
كان القرار من قيادة الشرطة بتعميم التجربة في بدايات 2015 ولهذه المهمة تم تدريب وتأهيل طواقم من المدربين تولت المهمة وعملت على مدار الساعة، وبدأت عملية التعميم والممارسة الفعلية للشرطة المجتمعية في كافة مراكز شرطة محافظة جنين ومن ثم سلفيت وقلقيلية واريحا والقدس وطوباس وطولكرم والعملية مستمرة حتى الآن للاستكمال في باقي المحافظات.
ان رؤية الشرطة في ضرورة ان تكون مرئية وسهلة الوصول بالنسبة للجمهور، وما يقتضيه العمل الشرطي المجتمعي من تفاعل دائم ما بين الشرطة والمواطن دفع للبحث عن حلول ابداعية من خلالها يتم التواجد والتواصل الدائم مع الجمهور متحديا الجغرافيا والتقسيمات الاحتلالية، فكانت فكرة مركز الشرطة المجتمعي المتنقل والذي من خلاله يتم تقديم كافة الخدمات الشرطية للجمهور في القرى والتجمعات التي لا تصل اليها شرطة المراكز الثابتة، قتم تجهيز مركبة خاصة وتأهيل طاقم عمل يمثل كافة ادارات الشرطة لتشغيل هذا المركز، وكان الافتتاح في باقة الشرقية ومنطقة النزلات في طولكرم كتجربة اولى لاقت نجاحا واستحسانا من المواطنين على ان يتم تعميم التجربة في كافة محافظات الوطن قريبا.
ان قصة نجاح الشرطة المجتمعية في فلسطين والتي اثبتت القدرة على تجاوز كافة المعيقات والعقبات هي نتيجة قرارات حاسمة لتحقيق رؤية قيادة الشرطة " شرطة متميزة لدولة آمنة " ونتيجة جهد كبير بذله مجموعة من الضباط قبلوا التحدي واصروا على ان تخرج الفكرة الى النور، واستطاعوا تطوير نموذج فريد في العمل الشرطي المجتمعي هو النموذج الفلسطيني.
في المستقبل سأقوم بمتابعة أي قصص نجاح تحققه الشرطة المجتمعية، وأيضاً أين أخفقت، وما هو المطلوب منا جميعا من أجل تحقيق الأمن والأمان لمجتمعنا.