memantin iskustva oogvitaminer.site memantin wikipedia">
بقلم: نبيل دويكات
كثُر الحديث خلال السنوات الاخيرة حول عنوان "الاخطاء الطبية"، وأصبح هذا المفهوم متداولاً بشكل كبير خاصة خلال الاشهر الاخيرة، بعد أن شهدنا عدد من حالات الوفاة داخل المراكز الصحية والمستشفيات، فضلاً عن اصابة العديد من المواطنين بعلل واصابات خلال وجودهم في هذه المراكز لتلقي العلاج. ويتداول المواطنون في احاديثهم ومناقشاتهم وعبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي قصصاً وصور تقشعر لها الأبدان لضحايا تلك "الاخطاء" ونتائجها. ولم يعد خافياً ايضاً ردود الفعل والتحركات المتعددة والمتنوعة التي تتبع تلك "الاخطاء" سواء المباشرة منها، والتي تجلت في بعض الأحيان بالهجوم والاعتداء على الطواقم الصحية ومهاجمة المباني والمنشآت، او على المستوى المجتمعي المستنكر والرافض والمطالب بالتحقيق والمحاسبة، او على المستوى الرسمي الذي يدور في مدى يتراوح بين رفض وجود مثل تلك "الاخطاء"، ومروراً بتشكيل لجان للفحص والتحقيق في كل حدث وواقعة، وصولاً الى البحث في بناء خطة من اجل المحاسبة ومعاقبة مرتكبي تلك "الاخطاء".
نظراً لأهمية وحساسية هذا الموضوع، وضرورة الوصول الى اجماع مجتمعي فيه فانه من المهم التوقف بشكل مبدأي على جملة من الملاحظات التي اعتقد ضرورة تداولها ونقاشها بصورة منطقية وموضوعية بحيث نتمكن كمجتمع من الوصول الى اجماع يسهل علينا وضع الحلول والمعالجات السليمة، بعيداً عن الانفعالات وردود الفعل الآنية التي باعتقادي لم تسهم حتى الآن في وضع هذا "الملف" على المسار الصحيح. حيث نشهد حالياً ما يشبه التكرار في كل حالة من هذه الحالات دون ان نتمكن من وضع القطار على السكة الصحيحة. ولعل ابرز الملاحظات التي يمكن تسجيلها في هذا الامر تتمثل في:
أولاَ: من الناحية المفاهيمية، هناك أهمية بالغة للتمييز بين جملة المصطلحات والمفاهيم ذات العلاقة بهذا الامر، وبدون الخوض في تعداد المفاهيم وتعريفاتها فان هناك اهمية بالغة للتمييز الواضح مثلاً بين مفهوم "الخطأ"، و"الاهمال" الطبي. هذا التمييز سيمكن من وضع النقاط على الحروف في تتبع مجرى وتفاصيل كل حالة وكيفية وضع الحلول والمعالجات، وحتى طرق وآليات المحاسبة.
ثانياً: المباني والمنشآت والمعدات والاجهزة، سواء كانت تحت مسئولية الجهات الرسمية او الخاصة او غيره، الا ان الاستفادة منها واستخدامها انما يخدم ويصب في مصلحة المواطنين عموماً. ولذلك فإن مهاجمة او تخريب هذه الممتلكات والاضرار بها لا يخدم مصلحة أي كان، ولن يؤدي الى تحقيق أي هدف لأي جهة كانت، ولذلك فانه علينا الوقوف بحزم امام أي حدث من هذا النوع ومعاقبة مرتكبيه مهما كانت مبرراتهم ودوافعهم.
ثالثاً: لجان المتابعة والتحقيق، حيث يدور جدل في كل حادثة حول كيفيات وآليات المتابعة والتحقيق للوصول الى الحقيقة، وبالطبع فان كل طرف يسعى من اجل اثبات موقفه ووجهة نظره حتى من خلال ممارسة التأـثير والضغط في تشكيل او عدم تشكيل لجنة للتحقيق، ومكوناتها وآليات عملها في حال الاتفاق على تشكيلها. وتبدو الحال في هذا المجال وكأن كل طرف يريد الوصول الى النتائج التي يرغب في الوصول اليها مسبقاً. بينما المنطق يشير الى انه يجب ان تتم عملية المتابعة والتحقيق في أي حادثة من هذا النوع بصورة حيادية وموضوعية ومن قبل جهة ذات مصداقية وقبول لدى كل الاطراف المعنية، هذا فضلا عن وضوح في آليات العمل والتحقيق والوسائل والاساليب والمصادر التي يجري الاعتماد عليها.
رابعاً: النظام الصحي، وهذا العنوان واسع بحيث انه يمكن ان يتسع للقضايا اعلاه ويشمل السياسات والانظمة والاجراءات والبروتوكولات في كل الاحوال وظروف العمل، سوء بوجود اخطاء او اهمال طبي او تقصير او غيره، وآليات المتابعة والرقابة والمساءلة والمحاسبة. وهذا لا يقتصر حصراً على الجانب الرسمي والحكومي فقط، وانما يشمل أيضاً غير الحكومي. حيث أن بعض تلك الأخطاء حدثت في المراكز والمستشفيات الخاصة أيضاً. والدور الرسمي هنا يكمن في ان الحكومة هي الجهة الرسمية المسئولة تجاه مواطنيها في وضع القوانين والانظمة التي تكفل الشروط الافضل لصحة المواطن، وتكفل المراقبة والمتابعة الدقيقة للتقيد بها.
رغم صحة القول انه لا يمكن الوصول الى واقع مثالي في أي أمر من أمور الحياة، وخاصة اذا كان يتعلق بالإنسان وسلوكه وأدائه، أي انه من الصعب الوصول الى حالة تكون فيها نسبة حدوث الأخطاء مساوية للصفر، لكن من ناحية ثانية فإن تكرار حدوث الأخطاء، أو حتى الاهمال، وخاصة تلك القاتلة منها، وفي أكثر من منطقة ومكان انما يطرح الكثير من الأسئلة والتساؤلات التي لن تتم الاجابة عليها، وبالأصح معالجة القضايا التي تطرحها ونواجهها في الواقع عبر خسارة المزيد من الارواح. وتزداد اهمية ذلك اذا لاحظنا انه رغم لجان التحقيق التي تشكلت في العديد من الحالات، والنتائج التي توصلت اليها، والاجراءات التي تم اتخاذها بناءاً على ذلك لم نصل حتى الآن الى تلك الحالة التي يمكننا القول فيها بعدم تكرار تلك "الأخطاء" او حصول التقصير و"الاهمال. ورغم انه تم اتخاذ اجراءات عقابية في عدد من الحالات، وتحويل عدد من القضايا الى الجهات القضائية المختصة، بل ووصلت الاجراءات في بعض الحالات الى تغييرات كبيرة في الطواقم الادارية والفنية في بعض المراكز الصحية، لكن مع ذلك لا زلنا نتابع تكراراً لذلك، سواء في نفس المراكز او مراكز اخرى. وهو ما يقودنا الى عدة اسئلة من مثل: هل يتوجب علينا ان نفقد حياة عدة حالات في كل مركز صحي حتى نعيد التفكير في الطريقة والاداء؟ واذا قمنا باتخاذ "اجراءات" عقابية بحق المخطئين والمقصرين بنقلهم من اماكن عملهم، او بفصلهم من الخدمة مثلاً، فإلى أين يتم نقلهم؟ الى مراكز أخرى؟ ام سيعملون في مراكز خاصة بهم؟ اسئلة عديدة تتبادر الى ذهن كل مواطن وتشير في مجملها الى جوهر الموضوع وهو البحث في مجمل النظام القائم والمتبع وآليات عمله وتقييم أدائه وفعاليته. وذلك جرياً على تلك المقولة الشعبية المتداولة: "قال له: يرحم جدًك الذي كان يجبر اليد عند كسرها. رد عليه بالقول: وانت يرحم جدًك الذي كان يجبر اليد قبل كسرها".
وكأنه لم يعد يكفي ما نحن فيه من مصائب وكوارث تسبب لنا التدمير والفتك بصحتنا على المدى المتوسط والبعيد. التلوث البيئي، الاغذية والمنتجات الفاسدة، انتشار المخدرات والمواد السامة، فوضى استخدام الاسمدة والمبيدات والمواد الكيماوية في الزراعة والصناعة، ضعف المتابعة والرقابة على شروط الصحة والسلامة المهنية في اماكن العمل، والاحتلال وسياساته ومنغّصاته المختلفة في شتى المجالات، وتردي الواقع الامني، وانسداد الافق السياسي وحتى تراجع الاوضاع الاقتصادية والآثار التي يتركها كل ذلك على علاقاتنا الاجتماعية وصحتنا النفسية والجسدية، ومدى شعور كل منا بالاستقرار والراحة والامن والامان على حياته وحياة عائلته وممتلكاته. لم يعد ذلك يكفي حتى يظهر لنا وبصورة ملموسة وقريبة ذلك القاتل الخفي الذي يتربص بنا، ولا نعلم من ان يمكن ان يأتينا، ألا وهو ما اصبح يُعرف باسم "الأخطاء الطبية".
خلاصة القول انه في ظل استمرار حدوث حالات "الخطأ" او "الاهمال" الطبي"، وفي ظل استمرار سقوط ضحايا في المركز الصحية فان النتيجة الأكيدة لذلك هي انه طرق المعالجة التي اتبعت حتى الآن غير مناسبة. المستشفيات والمراكز الصحية هي الملاذ الآمن الذي يلجأ اليه المواطن للتغلب على المرض والصعوبات الصحية التي يتعرض لها ويعاني منها، وهي المكان الذي يمكن للمريض ان يضع فيه كل ثقته وامله بأن يخلصه من آلامه ومعاناته الصحية. فاذا تزعزعت هذه الثقة واهتزت فان كل مواطن سوف يذهب الى المراكز الصحية "ويده على قلبه"، ولسان حاله يقول: "حتى انت يا بروتس"؟!