سواء صدق نتنياهو وحكومته ورؤساء اجهزته الأمنية حول مصدر اشعال مئات الحرائق في فلسطين واتهامهم لفلسطينيي الداخل بذلك أم لم يصدقوا فعليهم، بكلا الحالتين، الاستقالة من مناصبهم.
خلال اربع ايام اشتعلت مئات الحرائق على طول البلاد وعرضها،حسب تصريحات المسئولين الاسرائيليين لم تسبق هذه العمليات أي تسريبات مسبقة حول نية جهة معينة القيام بذلك ولم يكن عند المخابرات الاسرائيلية أي معلومات تشير الى ذلك وكل ما حصل كان مفاجئًا ووقع عليهم كالصاعقة.
لتنظيم مثل هذا العمل الضخم هناك حاجة لتحضير مسبق قد يستمر اشهر طويلة وحتى سنوات، يشارك به المئات بشكل سري كامل، جزء من الاعضاء يحضر ويقرر اماكن اشعال الحرائق ويبحث عن الاماكن الغير مراقبة والابتعاد عن الاماكن المغطية بالكاميرات ويحتاجون للقيام بزيارات مسبقة لهذه الاماكن، جزء آخر من الاعضاء يكون مسئولا عن تحضير مواد الاشعال وقسم آخر مسئول عن توصيل مشعلي النار وإعادتهم وآخرون يقومون بإشعال الحرائق،كل ذلك تحت قيادة واحدة تقرر موعد البدء في هذه العملية الضخمة وانتهائها.
قيادة التنظيم تنتظر قدوم حالة طقس مناسبة وقدوم رياح قوية وتصدر ببدء تنفيذ العملية, اعضاء التنظيم يبدأون بتنفيذ الاوامر ويهاجمون زخرون يعكوب من عدة جهات،بعد ذلك يقررون نقل هجومهم الى مناطق اخرى لإنهاك رجال الاطفاء.
في اليوم التالي تصدر قوات التنظيم تعليماتها الى القوات الضاربة بحرق مدينة حيفا من كل الجهات، ويبدأ الهجوم بمحاولة حرق سيارات الاطفاء في المدينة ومن ثم ينتقلون الى احياء حيفا المختلفة ويشعلون النار بها، هؤلاء الاعضاء يراقبون اتجاه الريح وينقلون النيران للاماكن المناسبة.
التعليمات تصدر بالعودة الى مشارف القدس وحرقها مرة اخرى والتوجه بعد ذلك الى المستعمرات في الضفة ومن ثم التوجه الى الجليل، ولا زالت قيادات التنظيم مستمرة في اصدار اوامرها وتعليماتها.
اقامة هذا التنظيم والتحضير للعمليات بمشاركة المئات من الاعضاء يمر بسرية تامة، دون ان يكون لأجهزة المخابرات الاسرائيلية طرف خيط حول ما يجري حولها، هذا التنظيم يعمل كالأشباح وينجح في خداع الاجهزة الامنية الاسرائلية وتنفيذ اوسع عمليات اشعال نيران في تاريخ البلاد.
نجاح عملية الاحراق هو فشل ذريع للحكومة والمخابرات الإسرائيلية التي تفاجأت من تنفيذ العملية وتقف حائرة امام الاشباح ولا حول ولا قدرة لهذه الحكومة امامهم.
ان صح هذا السيناريو الذي يتحدث نتنياهو وحكومته عنه، فهذا يعتبر اكبر فشل واخطر فضيحة لهم منذ حرب ال 73 وحتى اليوم وعليهم وأجهزتهم الامنية الاستقالة من مناصبهم.
كذلك فانه ايضًا اذا لم يصح هذا السيناريو ولم تكن هناك عملية منظمة لإشعال الحرائق فعلى حكومة نتنياهو الاستقالة من منصبها، حملة التحريض الفاشية التي قاموا بها ضد المواطنين العرب وصلت الى حد التحريض على القتل خطاب نتنياهو وحكومته كان يؤشر لليهود ان العرب يحاولون حرقهم في بيوتهم احياءًا،هذه الدعاية الخطيرة اشبه ما تكون بحملات الدعاية التي حصلت في اوروبا قبل 8 عقود، تزرع الكراهية والحقد والرغبة في الانتقام.
وزراء الحكومة الإسرائيلية والمسؤولون الإسرائيليون يرددون كجوقة واحدة ان ما يحدث هو "انتفاضة الحرائق"يقوم بها من لا يحبون هذه البلاد ولا صلة لهم فيها.
وزراء الحكومة الاسرائيلية يهددون ويتوعدون بإنزال اقصى العقوبات على الإرهابيين الذين يشعلون الحرائق وسحب جنسياتهم واقاماتهم في البلاد، رسالتهم الى اليهود انهم موجودون في حرب، يحاول خلالها الفلسطينيون حرقهم داخل بيوتهم، الرعب والخوف يدخل قلوب اليهود الذين يصدقون ان هناك حملة لإعدامهم وحرقهم احياء وتبدأ تتغلغل حملات التحريض بين الاوساط الشعبية اليهودية.
الحرائق لم تضرب البلدات اليهودية فقط,بل على العكس كانت معظمها بالقرب من البلدات العربية في الجليل والمثلث والضفة الغربية، عندما تشتعل النار بالقرب من البدات العربية فلن تجد هناك تغطية إعلامية بعكس كما يحصل عندما تضرب النيران مناطق يهودية وكأن املاك وأرواح العرب ليست ذا قيمة.
الحكومة الاسرائيلية خبيرة في انتهاز الفرص للتحريض على المواطنين العرب،وفي هذه الفترة بالذات هي احوج ما تكون لذلك،للفت الانتباه عن الجرائم التي تمارسها بحقهم،من هدم القرى في النقب والأغوار والتشريعات الفاشية مثل قانون منع الاذان وقانون سرقة الاراضي الخاصة. وتبدلت الادوار وأصبح الاسرائيليون ضحية يلاحقون داخل بيوتهم بهدف حرقهم احياءًا من قبل الفلسطينيين ولذلك فهم يطلبون مساعدة العالم للوقوف الى جانبهم امام هذه الاعمال اللانسانية.
لما يتضح ان هذه الدعاية كاذبة ولم يكن هناك تنظيم سري خطط ونفذ حرق البلاد،وان كل ما تداوله نتنياهو وحكومته ما هو إلا خرافات وخيال مريض فعليهم ايضًا الاستقالة من منصبهم.
في النهاية نذكر بسوابق عمليات الحرق التي لا يشير لها هذه الايام احد،لا احد يتذكر من حرق الطفل محمد ابو خضير ولا عائلة دوابشة، ومن يحرق ويقطع اشجار الزيتون المباركة, وكلهم نسوا من حرق مسجد الاقصى ومسجد طوبا وام الفحم وكنيسة الطابغة حتى ذكرنا بذلك الحاخامات الذين اعتبروا اندلاع الحرائق عقاب على قرار اخلاء مستعمرة عمونا،لعلنا نتذكر انهم الوحيدون الذين لهم سوابق في حرق الناس احياءًا.
ويبقى منظر الطيارات وهي تشارك في اطفاء الحرائق ورش مواد اطفاء, تعيد الى الذاكرة نفس هذه الطائرات وهي ترش السكان البدو ومحاصيلهم الزراعية بالمبيدات الكيماوية السامة لحملهم على ترك اراضيهم وتهجيرهم من مكان سكناهم. أما الجبال السوداء فتعيد الى الذاكرة ما يقوم به الجيش الاسرائيلي في الاغوار الشمالية, حيث يقوم بحرق الجبال التي يسمونها " محميات طبيعية" لمنع السكان من رعي مواشيهم هناك غير ابهين بقتل الغزلان والارانب والحجل الفريدة من نوعها التي تعيش في تلك المنطقة.
26\11\2016
جهاد ابو ريا, محام
جمعية فلسطينيات